![]() |
تفسير سورة الكهف (ج6)
بسم الله الرحمن الرحيم أيها الأحبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أتواصل معكم بمواصلة طرح تفسير سورة الكهف ومع قصة صاحب الجنتين تحديداً والواردة في الآيات التالية: وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا تفسير القرطبي: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ هَذَا مَثَل لِمَنْ يَتَعَزَّز بِالدُّنْيَا وَيَسْتَنْكِف عَنْ مُجَالَسَة الْمُؤْمِنِينَ , وَهُوَ مُتَّصِل بِقَوْلِهِ " وَاصْبِرْ نَفْسك " [ الْكَهْف : 28 ] . وَاخْتُلِفَ فِي اِسْم هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَتَعْيِينهمَا ; فَقَالَ الْكَلْبِيّ : نَزَلَتْ فِي أَخَوَيْنِ مِنْ أَهْل مَكَّة مَخْزُومِيَّيْنِ , أَحَدهمَا مُؤْمِن وَهُوَ أَبُو سَلَمَة عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْأَسَد بْن هِلَال بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مَخْزُوم , زَوْج أُمّ سَلَمَة قَبْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْآخَر كَافِر وَهُوَ الْأَسْوَد بْن عَبْد الْأَسَد , وَهُمَا الْأَخَوَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي سُورَة " الصَّافَّات " فِي قَوْله " قَالَ قَائِل مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِين " [ الصَّافَّات : 51 ] , وَرِثَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا أَرْبَعَة آلَاف دِينَار , فَأَنْفَقَ أَحَدهمَا مَاله فِي سَبِيل اللَّه وَطَلَبَ مِنْ أَخِيهِ شَيْئًا فَقَالَ مَا قَالَ . .. ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَالْقُشَيْرِيّ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْل مَكَّة . وَقِيلَ : هُوَ مَثَل لِجَمِيعِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَجَمِيع مَنْ كَفَرَ . وَقِيلَ : هُوَ مَثَل لِعُيَيْنَة بْن حِصْن وَأَصْحَابه مَعَ سَلْمَان وَصُهَيْب وَأَصْحَابه ; شَبَّهَهُمْ اللَّه بِرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل أَخَوَيْنِ أَحَدهمَا مُؤْمِن وَاسْمه يَهُوذَا ; فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مُقَاتِل : اِسْمه تمليخا . وَالْآخَر كَافِر وَاسْمه قرطوش . وَهُمَا اللَّذَانِ وَصَفَهُمَا اللَّه تَعَالَى فِي سُورَة الصَّافَّات . وَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن الْمُقْرِئ قَالَ : اِسْم الْخَيِّر مِنْهُمَا تمليخا , وَالْآخَر قرطوش , وَأَنَّهُمَا كَانَا شَرِيكَيْنِ ثُمَّ اِقْتَسَمَا الْمَال فَصَارَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة آلَاف دِينَار , فَاشْتَرَى الْمُؤْمِن مِنْهُمَا عَبِيدًا بِأَلْفٍ وَأَعْتَقَهُمْ , وَبِالْأَلْفِ الثَّانِيَة ثِيَابًا فَكَسَا الْعُرَاة , وَبِالْأَلْفِ الثَّالِثَة طَعَامًا فَأَطْعَمَ الْجُوَّع , وَبَنَى أَيْضًا مَسَاجِد , وَفَعَلَ خَيْرًا . وَأَمَّا الْآخَر فَنَكَحَ بِمَالِهِ نِسَاء ذَوَات يَسَار , وَاشْتَرَى دَوَابّ وَبَقَرًا فَاسْتَنْتَجَهَا فَنَمَتْ لَهُ نَمَاء مُفْرِطًا , وَاتَّجَرَ بِبَاقِيهَا فَرَبِحَ حَتَّى فَاقَ أَهْل زَمَانه غِنًى ; وَأَدْرَكَتْ الْأَوَّلَ الْحَاجَةُ , فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَخْدِم نَفْسه فِي جَنَّة يَخْدُمهَا فَقَالَ : لَوْ ذَهَبْت لِشَرِيكِي وَصَاحِبِي فَسَأَلْته أَنْ يَسْتَخْدِمنِي فِي بَعْض جَنَّاته رَجَوْت أَنْ يَكُون ذَلِكَ أَصْلَح بِي , فَجَاءَهُ فَلَمْ يَكَدْ يَصِل إِلَيْهِ مِنْ غِلَظ الْحُجَّاب , فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَعَرَفَهُ وَسَأَلَهُ حَاجَته قَالَ لَهُ : أَلَمْ أَكُنْ قَاسَمْتُك الْمَال نِصْفَيْنِ فَمَا صَنَعْت بِمَالِك ؟ . قَالَ : اِشْتَرَيْت بِهِ مِنْ اللَّه تَعَالَى مَا هُوَ خَيْر مِنْهُ وَأَبْقَى . فَقَالَ : أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ , مَا أَظُنّ السَّاعَة قَائِمَة وَمَا أَرَاك إِلَّا سَفِيهًا , وَمَا جَزَاؤُك عِنْدِي عَلَى سَفَاهَتك إِلَّا الْحِرْمَان , أَوَمَا تَرَى مَا صَنَعْت أَنَا بِمَالِي حَتَّى آلَ إِلَيَّ مَا تَرَاهُ مِنْ الثَّرْوَة وَحُسْن الْحَال , وَذَلِكَ أَنِّي كَسَبْت وَسَفِهْت أَنْتَ , اُخْرُجْ عَنِّي . ثُمَّ كَانَ مِنْ قِصَّة هَذَا الْغَنِيّ مَا ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي الْقُرْآن مِنْ الْإِحَاطَة بِثَمَرِهِ وَذَهَابهَا أَصْلًا بِمَا أَرْسَلَ عَلَيْهَا مِنْ السَّمَاء مِنْ الْحُسْبَان . وَقَدْ ذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ هَذِهِ الْقِصَّة بِلَفْظٍ آخَر , وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . قَالَ عَطَاء : كَانَا شَرِيكَيْنِ لَهُمَا ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار . وَقِيلَ : وَرِثَاهُ مِنْ أَبِيهِمَا وَكَانَا أَخَوَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا , فَاشْتَرَى أَحَدهمَا أَرْضًا بِأَلْفِ دِينَار , فَقَالَ صَاحِبه : اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانًا قَدْ اِشْتَرَى أَرْضًا بِأَلْفِ دِينَار وَإِنِّي اِشْتَرَيْت مِنْك أَرْضًا فِي الْجَنَّة بِأَلْفِ دِينَار فَتَصَدَّقَ بِهَا , ثُمَّ إِنَّ صَاحِبه بَنَى دَارًا بِأَلْفِ دِينَار فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانًا بَنَى دَارًا بِأَلْفِ دِينَار وَإِنِّي أَشْتَرِي مِنْك دَارًا فِي الْجَنَّة بِأَلْفِ دِينَار , فَتَصَدَّقَ بِهَا , ثُمَّ تَزَوَّجَ اِمْرَأَة فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا أَلْف دِينَار , فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ اِمْرَأَة بِأَلْفِ دِينَار وَإِنِّي أَخْطُب إِلَيْك مِنْ نِسَاء الْجَنَّة بِأَلْفِ دِينَار , فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَار . ثُمَّ اِشْتَرَى خَدَمًا وَمَتَاعًا بِأَلْفِ دِينَار , وَإِنِّي أَشْتَرِي مِنْك خَدَمًا وَمَتَاعًا مِنْ الْجَنَّة بِأَلْفِ دِينَار , فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَار . ثُمَّ أَصَابَتْهُ حَاجَة شَدِيدَة فَقَالَ : لَعَلَّ صَاحِبِي يَنَالنِي مَعْرُوفه فَأَتَاهُ فَقَالَ : مَا فَعَلَ مَالُك ؟ فَأَخْبَرَهُ قِصَّته فَقَالَ : وَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ بِهَذَا الْحَدِيث وَاَللَّه لَا أُعْطِيك شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَنْتَ تَعْبُد إِلَه السَّمَاء , وَأَنَا لَا أَعْبُد إِلَّا صَنَمًا ; فَقَالَ صَاحِبه : وَاَللَّه لَأَعِظَنَّهُ , فَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ وَخَوَّفَهُ . فَقَالَ : سِرْ بِنَا نَصْطَدْ السَّمَك , فَمَنْ صَادَ أَكْثَر فَهُوَ عَلَى حَقّ ; فَقَالَ لَهُ : يَا أَخِي إِنَّ الدُّنْيَا أَحْقَر عِنْد اللَّه مِنْ أَنْ يَجْعَلهَا ثَوَابًا لِمُحْسِنٍ أَوْ عِقَابًا لِكَافِرٍ . قَالَ : فَأَكْرَهَهُ عَلَى الْخُرُوج مَعَهُ , فَابْتَلَاهُمَا اللَّه , فَجَعَلَ الْكَافِر يَرْمِي شَبَكَته وَيُسَمِّي بِاسْمِ صَنَمه , فَتَطْلُع مُتَدَفِّقَة سَمَكًا . وَجَعَلَ الْمُؤْمِن يَرْمِي شَبَكَته وَيُسَمِّي بِاسْمِ اللَّه فَلَا يَطْلُع لَهُ فِيهَا شَيْء ; فَقَالَ لَهُ : كَيْفَ تَرَى أَنَا أَكْثَر مِنْك فِي الدُّنْيَا نَصِيبًا وَمَنْزِلَة وَنَفَرًا , كَذَلِكَ أَكُون أَفْضَل مِنْك فِي الْآخِرَة إِنْ كَانَ مَا تَقُول بِزَعْمِك حَقًّا . قَالَ : فَضَجَّ الْمَلَك الْمُوَكَّل بِهِمَا , فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى جِبْرِيل أَنْ يَأْخُذهُ فَيَذْهَب بِهِ إِلَى الْجِنَان فَيُرِيه مَنَازِل الْمُؤْمِن فِيهَا , فَلَمَّا رَأَى مَا أَعَدَّ اللَّه لَهُ قَالَ : وَعِزَّتك لَا يَضُرّهُ مَا نَالَهُ مِنْ الدُّنْيَا بَعْد مَا يَكُون مَصِيره إِلَى هَذَا ; وَأَرَاهُ مَنَازِل الْكَافِر فِي جَهَنَّم فَقَالَ : وَعِزَّتك لَا يَنْفَعهُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الدُّنْيَا بَعْد أَنْ يَكُون مَصِيره إِلَى هَذَا . ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى تَوَفَّى الْمُؤْمِن وَأَهْلَكَ الْكَافِر بِعَذَابٍ مِنْ عِنْده , فَلَمَّا اِسْتَقَرَّ الْمُؤْمِن فِي الْجَنَّة وَرَأَى مَا أَعَدَّ اللَّه لَهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَصْحَابه يَتَسَاءَلُونَ , فَقَالَ : " إِنِّي كَانَ لِي قَرِين . يَقُول أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ " [ الصَّافَّات : 51 ] الْآيَة ; فَنَادَى مُنَادٍ : يَا أَهْل الْجَنَّة هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ إِلَى جَهَنَّم فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم ; فَنَزَلَتْ " وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا " . بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى حَال الْأَخَوَيْنِ فِي الدُّنْيَا فِي هَذِهِ السُّورَة , وَبَيَّنَ حَالهمَا فِي الْآخِرَة فِي سُورَة " الصَّافَّات " فِي قَوْله " إِنِّي كَانَ لِي قَرِين . يَقُول أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ - إِلَى قَوْله - لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ " [ الصَّافَّات : 51 ] . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَذَكَرَ إِبْرَاهِيم بْن الْقَاسِم الْكَاتِب فِي كِتَابه فِي عَجَائِب الْبِلَاد أَنَّ بُحَيْرَة تِنِّيس كَانَتْ هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ , وَكَانَتَا لِأَخَوَيْنِ فَبَاعَ أَحَدهمَا نَصِيبه مِنْ الْآخَر فَأَنْفَقَ فِي طَاعَة اللَّه حَتَّى عَيَّرَهُ الْآخَر , وَجَرَتْ بَيْنهمَا الْمُحَاوَرَة فَغَرَّقَهَا اللَّه تَعَالَى فِي لَيْلَة , وَإِيَّاهَا عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّة , وَلَيْسَ بِخَبَرٍ عَنْ حَال مُتَقَدِّمَة , لِتَزْهَد فِي الدُّنْيَا وَتَرْغَب فِي الْآخِرَة , وَجَعَلَهُ زَجْرًا وَإِنْذَارًا ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَسِيَاق الْآيَة يَدُلّ عَلَى خِلَاف هَذَا , وَاَللَّه أَعْلَم . وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ أَيْ أَطَفْنَاهُمَا مِنْ جَوَانِبهمَا بِنَخْلٍ . وَالْحِفَاف الْجَانِب , وَجَمْعه أَحِفَّة ; وَيُقَال : حَفَّ الْقَوْم بِفُلَانٍ يَحُفُّونَ حَفًّا , أَيْ طَافُوا بِهِ ; وَمِنْهُ " حَافِّينَ مِنْ حَوْل الْعَرْش " [ الزُّمَر : 75 ] . وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا أَيْ جَعَلْنَا حَوْل الْأَعْنَاب النَّخْل , وَوَسَط الْأَعْنَاب الزَّرْع **************** كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا "كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ" كِلْتَا مُفْرَد يَدُلّ عَلَى التَّثْنِيَة مُبْتَدَأ "آتَتْ" خَبَره "أُكُلهَا" ثَمَرهَا "وَلَمْ تَظْلِم" تَنْقُص "وَفَجَّرْنَا" أَيْ شَقَقْنَا "خِلَالهمَا نَهَرًا" يَجْرِي بَيْنهمَا تفسير الجيلالين ************* وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَعَاصِم وَيَعْقُوب وَابْن أَبِي إِسْحَاق " ثَمَر " بِفَتْحِ الثَّاء وَالْمِيم , وَكَذَلِكَ قَوْله " وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ " [ الْكَهْف : 42 ] جَمْع ثَمَرَة . قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ : الثَّمَرَة وَاحِدَة الثَّمَر وَالثَّمَرَات , وَجَمْع الثَّمَر ثِمَار ; مِثْل جَبَل وَجِبَال . قَالَ الْفَرَّاء : وَجَمْع الثِّمَار ثُمُر ; مِثْل كِتَاب وَكُتُب , وَجَمْع الثَّمَر أَثْمَار ; مِثْل أَعْنَاق وَعُنُق . وَالثَّمَر أَيْضًا الْمَال الْمُثَمَّر ; يُخَفَّف وَيُثَقَّل . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو " وَكَانَ لَهُ ثُمْر " بِضَمِّ الثَّاء وَإِسْكَان الْمِيم , وَفَسَّرَهُ بِأَنْوَاعِ الْمَال . وَالْبَاقُونَ بِضَمِّهَا فِي الْحَرْفَيْنِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : ذَهَب وَفِضَّة وَأَمْوَال . وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَنْعَام " نَحْو هَذَا مُبَيَّنًا . ذَكَرَ النَّحَّاس : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن شُعَيْب قَالَ أَخْبَرَنِي عِمْرَان بْن بَكَّار قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْعَلَاء الزُّبَيْدِيّ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْب بْن إِسْحَاق قَالَ هَارُون قَالَ حَدَّثَنِي أَبَان عَنْ ثَعْلَب عَنْ الْأَعْمَش أَنَّ الْحَجَّاج قَالَ : لَوْ سَمِعْت أَحَدًا يَقْرَأ " وَكَانَ لَهُ ثُمُر " لَقَطَعْت لِسَانه ; فَقُلْت لِلْأَعْمَشِ : أَتَأْخُذُ بِذَلِكَ ؟ فَقَالَ : لَا ! وَلَا نِعْمَة عَيْن . فَكَانَ يَقْرَأ " ثُمُر " وَيَأْخُذهُ مِنْ جَمْع الثَّمَر . قَالَ النَّحَّاس : فَالتَّقْدِير عَلَى هَذَا الْقَوْل أَنَّهُ جَمْع ثَمَرَة عَلَى ثِمَار , ثُمَّ جَمْع ثِمَار عَلَى ثَمَر ; وَهُوَ حَسَن فِي الْعَرَبِيَّة إِلَّا أَنَّ الْقَوْل الْأَوَّل أَشْبَه وَاَللَّه أَعْلَم ; لِأَنَّ قَوْله " كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلهَا " يَدُلّ عَلَى أَنَّ لَهُ ثَمَرًا . فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَيْ يُرَاجِعهُ فِي الْكَلَام وَيُجَاوِبهُ . وَالْمُحَاوَرَة الْمُجَاوَبَة , وَالتَّحَاوُر التَّجَاوُب . وَيُقَال : كَلَّمْته فَمَا أَحَارَ إِلَيَّ جَوَابًا , وَمَا رَجَعَ إِلَيَّ حَوِيرًا وَلَا حَوِيرَة وَلَا مَحُورَة وَلَا حِوَارًا ; أَيْ مَا رَدَّ جَوَابًا . أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا النَّفَر : الرَّهْط وَهُوَ مَا دُون الْعَشَرَة . وَأَرَادَ هَاهُنَا الْأَتْبَاع وَالْخَدَم وَالْوَلَد , حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه . ************* وَدَخَلَ جَنَّتَهُ قِيلَ : أَخَذَ بِيَدِ أَخِيهِ الْمُؤْمِن يُطِيف بِهِ فِيهَا وَيُرِيه إِيَّاهَا . وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ أَيْ بِكُفْرِهِ , وَهُوَ جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال . وَمَنْ أَدْخَلَ نَفْسه النَّار بِكُفْرِهِ فَهُوَ ظَالِم لِنَفْسِهِ . قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا أَنْكَرَ فَنَاء الدَّار . ****************** وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً أَيْ لَا أَحْسِب الْبَعْث كَائِنًا . وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْث فَكَمَا أَعْطَانِي هَذِهِ النِّعَم فِي الدُّنْيَا فَسَيُعْطِينِي أَفْضَل مِنْهُ لِكَرَامَتِي عَلَيْهِ ; لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَمَّا دَعَاهُ أَخُوهُ إِلَى الْإِيمَان بِالْحَشْرِ وَالنَّشْر . وَفِي مَصَاحِف مَكَّة وَالْمَدِينَة وَالشَّام " مِنْهُمَا " . وَفِي مَصَاحِف أَهْل الْبَصْرَة وَالْكُوفَة " مِنْهَا " عَلَى التَّوْحِيد , وَالتَّثْنِيَة أَوْلَى ; لِأَنَّ الضَّمِير أَقْرَب إِلَى الْجَنَّتَيْنِ . ************** قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ يَهُوذَا أَوْ تمليخا ; عَلَى الْخِلَاف فِي اِسْمه . أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا وَعَظَهُ وَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مَا اِعْتَرَفَ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي لَا يُنْكِرهَا أَحَد أَبْدَع مِنْ الْإِعَادَة . و " سَوَّاك رَجُلًا " أَيْ جَعَلَك مُعْتَدِل الْقَامَة وَالْخَلْق , صَحِيح الْأَعْضَاء ذَكَرًا . ********************* لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي كَذَا قَرَأَهُ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ وَأَبُو الْعَالِيَة . وَرُوِيَ عَنْ الْكِسَائِيّ " لَكِنَّ هُوَ اللَّه " بِمَعْنَى لَكِنَّ الْأَمْر هُوَ اللَّه رَبِّي , فَأَضْمَرَ اِسْمهَا فِيهَا . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " لَكِنَّا " بِإِثْبَاتِ الْأَلِف . قَالَ الْكِسَائِيّ : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير , تَقْدِيره : لَكِنَّ اللَّه هُوَ رَبِّي أَنَا , فَحُذِفَتْ الْهَمْزَة مِنْ " أَنَا " طَلَبًا لِلْخِفَّةِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَال وَأُدْغِمَتْ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الْأُخْرَى وَحُذِفَتْ أَلِف " أَنَا " فِي الْوَصْل وَأُثْبِتَتْ فِي الْوَقْف . وَقَالَ النَّحَّاس : مَذْهَب الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء وَالْمَازِنِيّ أَنَّ الْأَصْل لَكِنَّ أَنَا فَأُلْقِيَتْ حَرَكَة الْهَمْزَة عَلَى نُون لَكِنَّ وَحُذِفَتْ الْهَمْزَة وَأُدْغِمَتْ النُّون فِي النُّون فَالْوَقْف عَلَيْهَا لَكِنَّا وَهِيَ أَلِف أَنَا لِبَيَانِ الْحَرَكَة . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْأَصْل لَكِنَّ أَنَا , فَحُذِفَتْ الْأَلِف فَالْتَقَتْ نُونَانِ فَجَاءَ بِالتَّشْدِيدِ لِذَلِكَ ," هُوَ اللَّه رَبِّي " " هُوَ " ضَمِير الْقِصَّة وَالشَّأْن وَالْأَمْر ; كَقَوْلِهِ " فَإِذَا هِيَ شَاخِصَة أَبْصَار الَّذِينَ كَفَرُوا " [ الْأَنْبِيَاء : 97 ] وَقَوْله : " قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد " [ الْإِخْلَاص : 1 ] . وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا دَلَّ مَفْهُومه عَلَى أَنَّ الْأَخ الْآخَر كَانَ مُشْرِكًا بِاَللَّهِ تَعَالَى يَعْبُد غَيْره . وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَرَادَ لَا أَرَى الْغِنَى وَالْفَقْر إِلَّا مِنْهُ , وَأعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْلُب صَاحِب الدُّنْيَا دُنْيَاهُ قَدَرَ عَلَيْهِ ; وَهُوَ الَّذِي آتَانِي الْفَقْر . وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَرَادَ جُحُودك الْبَعْث مَصِيره إِلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَقْدِر عَلَيْهِ , وَهُوَ تَعْجِيز الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى , وَمَنْ عَجَّزَهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ ; فَهُوَ إِشْرَاك . ***************** وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَيْ بِالْقَلْبِ , وَهُوَ تَوْبِيخ وَوَصِيَّة مِنْ الْمُؤْمِن لِلْكَافِرِ وَرَدّ عَلَيْهِ , إِذْ قَالَ " مَا أَظُنّ أَنْ تَبِيد هَذِهِ أَبَدًا " [ الْكَهْف : 35 ] و " مَا " فِي مَوْضِع رَفْع , تَقْدِيره : هَذِهِ الْجَنَّة هِيَ مَا شَاءَ اللَّه . وَقَالَ الزَّجَّاج وَالْفَرَّاء : الْأَمْر مَا شَاءَ اللَّه , أَوْ هُوَ مَا شَاءَ اللَّه ; أَيْ الْأَمْر مَشِيئَة اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : الْجَوَاب مُضْمَر , أَيْ مَا شَاءَ اللَّه كَانَ , وَمَا لَا يَشَاء لَا يَكُون . لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أَيْ مَا اِجْتَمَعَ لَك مِنْ الْمَال فَهُوَ بِقُدْرَةِ اللَّه تَعَالَى وَقُوَّته لَا بِقُدْرَتِك وَقُوَّتك , وَلَوْ شَاءَ لَنَزَعَ الْبَرَكَة مِنْهُ فَلَمْ يَجْتَمِع . قَالَ أَشْهَب قَالَ مَالِك : يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ مَنْزِله أَنْ يَقُول هَذَا . وَقَالَ اِبْن وَهْب قَالَ لِي حَفْص بْن مَيْسَرَة : رَأَيْت عَلَى بَاب وَهْب بْن مُنَبِّه مَكْتُوبًا " مَا شَاءَ اللَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ " . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَة : ( أَلَا أَدُلّك عَلَى كَلِمَة مِنْ كُنُوز الْجَنَّة - أَوْ قَالَ كَنْز مِنْ كُنُوز الْجَنَّة ) قُلْت : بَلَى يَا رَسُول اللَّه , قَالَ ( لَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ إِذَا قَالَهَا الْعَبْد قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث أَبِي مُوسَى . وَفِيهِ : . وَرُوِيَ أَنَّهُ مَنْ دَخَلَ مَنْزِله أَوْ خَرَجَ مِنْهُ فَقَالَ : بِاسْمِ اللَّه مَا شَاءَ اللَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ تَنَافَرَتْ عَنْهُ الشَّيَاطِين مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ الْبَرَكَات . وَقَالَتْ عَائِشَة : إِذَا خَرَجَ الرَّجُل مِنْ مَنْزِله فَقَالَ بِاسْمِ اللَّه قَالَ الْمَلَك هُدِيت , وَإِذَا قَالَ مَا شَاءَ اللَّه قَالَ الْمَلَك كُفِيت , وَإِذَا قَالَ لَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ قَالَ الْمَلَك وُقِيت . . وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا خَرَجَ الرَّجُل مِنْ بَاب بَيْته أَوْ بَاب دَاره كَانَ مَعَهُ مَلَكَانِ مُوَكَّلَانِ بِهِ فَإِذَا قَالَ بِاسْمِ اللَّه قَالَا هُدِيت وَإِذَا قَالَ لَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ قَالَا وُقِيت وَإِذَا قَالَ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّه قَالَا كُفِيت قَالَ فَيَلْقَاهُ قَرِينَاهُ فَيَقُولَانِ مَاذَا تُرِيدَانِ مِنْ رَجُل قَدْ هُدِيَ وَوُقِيَ وَكُفِيَ ) . وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه فِي عُلُوم الْحَدِيث : سُئِلَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن خُزَيْمَة عَنْ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَحَاجَّتْ الْجَنَّة وَالنَّار فَقَالَتْ هَذِهِ - يَعْنِي الْجَنَّة - يَدْخُلنِي الضُّعَفَاء ) مَنْ الضَّعِيف ؟ قَالَ : الَّذِي يُبَرِّئ نَفْسه مِنْ الْحَوْل وَالْقُوَّة يَعْنِي فِي الْيَوْم عِشْرِينَ مَرَّة أَوْ خَمْسِينَ مَرَّة . وَقَالَ أَنَس بْن مَالِك قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ لَمْ يَضُرّهُ عَيْن ) . وَقَدْ قَالَ قَوْم : مَا مِنْ أَحَد قَالَ مَا شَاءَ اللَّه كَانَ فَأَصَابَهُ شَيْء إِلَّا رَضِيَ بِهِ . وَرُوِيَ أَنَّ مَنْ قَالَ أَرْبَعًا أَمِنَ مِنْ أَرْبَع : مَنْ قَالَ هَذِهِ أَمِنَ مِنْ الْعَيْن , وَمَنْ قَالَ حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل أَمِنَ مِنْ كَيْد الشَّيْطَان , وَمَنْ قَالَ وَأُفَوِّض أَمْرِي إِلَى اللَّه أَمِنَ مَكْر النَّاس , وَمَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ أَمِنَ مِنْ الْغَمّ . إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا " إِنْ " شَرْط " تَرَنِ " مَجْزُوم بِهِ , وَالْجَوَاب " فَعَسَى رَبِّي " و " أَنَا " فَاصِلَة لَا مَوْضِع لَهَا مِنْ الْإِعْرَاب . وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع نَصْب تَوْكِيدًا لِلنُّونِ وَالْيَاء . وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر " إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلّ مِنْك " بِالرَّفْعِ ; يَجْعَل " أَنَا " مُبْتَدَأ و " أَقَلّ " خَبَره , وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع الْمَفْعُول الثَّانِي , وَالْمَفْعُول الْأَوَّل النُّون وَالْيَاء ; إِلَّا أَنَّ الْيَاء حُذِفَتْ لِأَنَّ الْكَسْرَة تَدُلّ عَلَيْهَا , وَإِثْبَاتهَا جَيِّد بَالِغ وَهُوَ الْأَصْل لِأَنَّهَا الِاسْم عَلَى الْحَقِيقَة . **************** فَعَسَى رَبِّي بِمَعْنَى لَعَلَّ أَيْ فَلَعَلَّ رَبِّي . أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ أَيْ فِي الْآخِرَة . وَقِيلَ فِي الدُّنْيَا . وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى جَنَّتك . حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَيْ مَرَامِي مِنْ السَّمَاء , وَاحِدهَا حُسْبَانَة ; وَالْحُسْبَانَة السَّحَابَة , وَالْحُسْبَانَة الْوِسَادَة , وَالْحُسْبَانَة الصَّاعِقَة . وَالْحُسْبَان ( بِالضَّمِّ ) : الْعَذَاب . وَقَالَ أَبُو زِيَاد الْكِلَابِيّ : أَصَابَ الْأَرْض حُسْبَان أَيْ جَرَاد . وَالْحُسْبَان أَيْضًا الْحِسَاب , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " الشَّمْس وَالْقَمَر بِحُسْبَانٍ " [ الرَّحْمَن : 5 ] . وَقَدْ فُسِّرَ الْحُسْبَان هُنَا بِهَذَا . قَالَ الزَّجَّاج : الْحُسْبَان مِنْ الْحِسَاب ; أَيْ يُرْسِل عَلَيْهَا عَذَاب الْحِسَاب , وَهُوَ حِسَاب مَا اِكْتَسَبَتْ يَدَاك ; فَهُوَ مِنْ بَاب حَذْف الْمُضَاف . وَالْحُسْبَان أَيْضًا : سِهَام قِصَار يُرْمَى بِهَا فِي طَلْق وَاحِد , وَكَانَ مِنْ رَمْي الْأَكَاسِرَة . وَالْمَرَامِي مِنْ السَّمَاء عَذَاب . " فَتُصْبِح صَعِيدًا زَلَقًا " يَعْنِي أَرْضًا بَيْضَاء لَا يَنْبُت فِيهَا نَبَات وَلَا يَثْبُت عَلَيْهَا قَدَم , وَهِيَ أَضَرّ أَرْض بَعْد أَنْ كَانَتْ جَنَّة أَنْفَع أَرْض ; و " زَلَقًا " تَأْكِيد لِوَصْفِ الصَّعِيد ; أَيْ تَزِلّ عَنْهَا الْأَقْدَام لِمَلَاسَتِهَا . يُقَال : مَكَان زَلَق ( بِالتَّحْرِيكِ ) أَيْ دَحْض , وَهُوَ فِي الْأَصْل مَصْدَر قَوْلك : زَلِقَتْ رِجْله تَزْلَق زَلَقًا , وَأَزْلَقَهَا غَيْره . وَالزَّلَق أَيْضًا عَجْز الدَّابَّة . وَالْمُزْلَقَة : الْمَوْضِع الَّذِي لَا يَثْبُت عَلَيْهِ قَدَم . وَكَذَلِكَ الزَّلَّاقَة . وَالزَّلْق الْحَلْق , زَلَقَ رَأْسه يَزْلِقهُ زَلْقًا حَلَقَهُ ; وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهَا تَصِير مَزْلَقَة , بَلْ الْمُرَاد أَنَّهَا لَا يَبْقَى فِيهَا نَبَات كَالرَّأْسِ إِذَا حُلِقَ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَعْر ; قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ . ************ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا أَيْ غَائِرًا ذَاهِبًا , فَتَكُون أَعْدَم أَرْض لِلْمَاءِ بَعْد أَنْ كَانَتْ أَوْجَدَ أَرْض لِلْمَاءِ . وَالْغَوْر مَصْدَر وُضِعَ مَوْضِع الِاسْم ;وَقِيلَ : أَوْ يُصْبِح مَاؤُهَا ذَا غَوْر ; فَحَذَفَ الْمُضَاف ; مِثْل " وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " [ يُوسُف : 82 ] فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا أَيْ لَنْ تَسْتَطِيع رَدّ الْمَاء الْغَائِر , وَلَا تَقْدِر عَلَيْهِ بِحِيلَةٍ . وَقِيلَ : فَلَنْ تَسْتَطِيع طَلَب غَيْره بَدَلًا مِنْهُ . وَإِلَى هَذَا الْحَدِيث اِنْتَهَتْ مُنَاظَرَة أَخِيهِ وَإِنْذَاره . ****************** وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ أَيْ أُهْلِك مَاله كُلّه . وَهَذَا أَوَّل مَا حَقَّقَ اللَّه تَعَالَى بِهِ إِنْذَار أَخِيهِ . فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا أَيْ فَأَصْبَحَ الْكَافِر يَضْرِب إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى نَدَمًا ; لِأَنَّ هَذَا يَصْدُر مِنْ النَّادِم . وَقِيلَ : يُقَلِّب مِلْكه فَلَا يَرَى فِيهِ عِوَض مَا أَنْفَقَ ; وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْك قَدْ يُعَبَّر عَنْهُ بِالْيَدِ , مِنْ قَوْلهمْ : فِي يَده مَال , أَيْ فِي مِلْكه مَال . وَدَلَّ قَوْله " فَأَصْبَحَ " عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِهْلَاك جَرَى بِاللَّيْلِ ; كَقَوْلِهِ " فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِف مِنْ رَبّك وَهُمْ نَائِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ " [ الْقَلَم : 19 , 20 ] وَيُقَال : أَنْفَقْت فِي هَذِهِ الدَّار كَذَا وَأَنْفَقْت عَلَيْهَا . وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا أَيْ خَالِيَة قَدْ سَقَطَ بَعْضهَا عَلَى بَعْض ; وَيُقَال سَاقِطَة ; كَمَا يُقَال فَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا أَيْ سَاقِطَة عَلَى سُقُوفهَا ; فَجَمَعَ عَلَيْهِ بَيْن هَلَاك الثَّمَر وَالْأَصْل , وَهَذَا مِنْ أَعْظَم الْجَوَانِح , مُقَابَلَة عَلَى بَغْيه . وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَيْ يَا لَيْتَنِي عَرَفْت نِعَم اللَّه عَلَيَّ , وَعَرَفْت أَنَّهَا كَانَتْ بِقُدْرَةِ اللَّه وَلَمْ أَكْفُر بِهِ . وَهَذَا نَدَم مِنْهُ حِين لَا يَنْفَعهُ النَّدَم . ************** وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيْ فِرْقَة وَجَمَاعَة يَلْتَجِئ إِلَيْهِمْ . وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا أَيْ مُمْتَنِعًا . أَيْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَشِيرَة يَمْنَعُونَهُ مِنْ عَذَاب اللَّه , وَضَلَّ عَنْهُ مَنْ اِفْتَخَرَ بِهِمْ مِنْ الْخَدَم وَالْوَلَد . ************** هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ أَيْ لَهُ الْمُلْك وَالْحُكْم يَوْمئِذٍ , أَيْ لَا يُرَدّ أَمْره إِلَى أَحَد ; وَالْمُلْك فِي كُلّ وَقْت لِلَّهِ وَلَكِنْ تَزُول الدَّعَاوَى وَالتَّوَهُّمَات يَوْم الْقِيَامَة . هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا أَيْ اللَّه خَيْر ثَوَابًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لِمَنْ آمَنَ بِهِ , وَلَيْسَ ثَمَّ غَيْر يُرْجَى مِنْهُ , وَلَكِنَّهُ أَرَادَ فِي ظَنّ الْجُهَّال ; أَيْ هُوَ خَيْر مَنْ يُرْجَى . وَخَيْرٌ عُقْبًا قَرَأَ عَاصِم وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَيَحْيَى " عُقْبًا " سَاكِنَة الْقَاف , الْبَاقُونَ بِضَمِّهَا , وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِد ; أَيْ هُوَ خَيْر عَافِيَة لِمَنْ رَجَاهُ وَآمَنَ بِهِ . يُقَال : هَذَا عَاقِبَة أَمْر فُلَان وَعُقْبَاهُ وَعُقْبه , أَيْ آخِره وإلى اللقاء في الجزء التالي تحياتي محمد محمود |
رد: تفسير سورة الكهف (ج6)
لك خالص شكري وتقديري يا محمد محمود على الموضوع الرائع
|
رد: تفسير سورة الكهف (ج6)
الله يجزاك عنا كل خير اخي
الكريم محمد محمود على هذا الطرح القيم والمفيد جداً |
رد: تفسير سورة الكهف (ج6)
مشكور يالنجم طليان المرادي
على التواجد تحياتي محمد محمود |
رد: تفسير سورة الكهف (ج6)
مشكور أخي الحبيب
فهد الموسي على التواجد لاعدمناك تحياتي محمد محمود |
رد: تفسير سورة الكهف (ج6)
بارك الله فيك أخي محمد و جزاك الله خيرا و جعل ما تسهرعلى كتابته في ميزان حسناتك .و نرجوا منك الدعاء إنا نراك من الصالحين
تقبل تحياتي الحارة |
رد: تفسير سورة الكهف (ج6)
الله لا يحرمك اجر ماتقوم به اخي محمد محمود
بارك الله فيك وفي مجهودك القيم اثابك الله |
رد: تفسير سورة الكهف (ج6)
مشكور يا أبا صلاح
على حسن الظن بأخيك أسأل الله أن أكون وإياك من الصالحين جزاك الله كل خير تحياتي محمد محمود |
رد: تفسير سورة الكهف (ج6)
أختي الفاضلة
أم أسامة أشكرك على التواجد والدعاء لاعدمناك تحياتي محمد محمود |
رد: تفسير سورة الكهف (ج6)
بارك الله فيك اخي الكريم واللهم لايحرمك اجر مافعلت وماخطيت
|
رد: تفسير سورة الكهف (ج6)
شوق الأرض
أشكرك على المرور تحياتي محمد محمود |
الساعة الآن 08:50 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL