الخميس 07, أكتوبر 2010
أ.د. عبد الله بن صالح الخليوي
لجينيات ـ كثيرون في هذا الزمان جلودهم ألين من الضأن وقلوبهم قلوب الذئاب، يتلونون بألوان الطيف حسب ماتمليه عليهم مصالحهم فهم في فلك المصلحة حيثما دار داروا، ليس لهم مبدأ ولا رسالة ولاهدف، همهم الريال والدولار، تراهم في كل واد يهيمون، تعجبك أجسامهم ويبهرك منطقهم لكنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم ، ابتلينا بهم في هذا الزمان، لبسوا على الناس دينهم، ولمعتهم الصحافة وأبرزتهم القنوات الفضائية بحكم العلاقة الوثيقة مع ملاكها لابحكم تميزهم أو انفرادهم على الغير، يعطوك من طرف اللسان حلاوة ويروغون روغان الثعالب، يشهقون ويزأرون إذا تكلم مصلح أو نطق، ويبدون لك من الغيرة على الوطن وتقديم المصلحة مايوحي لك بصدق نواياهم لكنهم يصمتون صمت الأموات عندما تنتهك حرمات الله أو يتعدى على حقوق المستضعفين من المسلمين في كل مكان، فلا تسمع لهم حسا ولاهمسا. تعجب ويتملكك العجب وأنت تشهد تناقضاتهم الصارخة لليبراتيهم التي ينتمون لها، والتي تنادي بالحرية والتعددية والاحتفال بالتنوع، لكنهم في المقابل يمارسون الطبيعة الإقصائية للخصوم ويتبرؤون من تاريخ الأمة وأمجادها.
هم وحوش نعم، هم كذلك، لكنها وحوش ناعمة الملمس فخمة الملبس ينتقون عباراتهم بحذر لكن قلوبهم قلوب الذئاب خسة ومكرا ودهاء وتربصا، مثلهم مثل الحية والعصفور فالعصفور يأكل الحشرات فهو قاتل، والحية تأكل العصفور فهي قاتلة لكن الناس ينظرون إلى العصفور كمخلوق جميل وديع بينما يعتبرون الحية مخلوقا بشعا مخيفا، لكن غاب عن أذهانهم أن العصفور والحية قاتلان متربصان. هؤلاء الشرذمة لهم أجندتهم الخاصة في محاربة الفضيلة ولهم صلاتهم المشبوهة التي يستقون من خلالها مايملى عليهم ليصيغوه في بيان يظهر غيرتهم الزائفة بينما يدسون من خلاله السم في الدسم، ينعقون في كل صباح ويظهرون في الغدوة والرواح، يقتنصون الهفوات ليضخموها والسقطات ليكبروها ويعصرون مقالات المصلحين ليستخلصوا أدنى هفوة أو زلة لتكون رهينة لسياط نقدهم اللاذع وتهكمهم االمريع. هم حرب على الإسلام وأهله أعماهم حب المال واللهاث المسعور وراءه وبريق الأضواء وعرض الدنيا فخاضوا في أمور العامة وهم أحقر من نملة، وتصدروا منابر الإعلام وحاكموا فتاوى العلماء وهم من ينادي باحترام التخصص، وخالفوا أبسط قواعد الديموقراطية المزعومة التي زكموا أنوفنا بتردادها، ومارسوا إقصاء مريعا لكل من يخالف منهجهم وأفكارهم فناقضوا أنفسهم بأنفسهم، ونالوا من الذات الالهية في جرأة ليس لها مثيل، قلوبهم تفيض وتطفح بكره الفضيلة ورجالها لأنهم حالوا بينهم وبين مايشتهون، فلاهم لهم إلا الاصطياد في الماء العكر، مرجفون متلونون تعرف منهم وتنكر، يتكلمون بألسنتنا ويقيمون بين أظهرنا، الدين في نظرهم دروشة والمتدين درويش مهما كان صفاء سريرته وحسن علاقته بربه وصدقه وإخلاصه وبعده عن مزالق الهوى، ففارسهم المفضل من يبرز في ساحات الجدل العقيم، ويتقعر في استخدام ألفاظ غامضة ويشكك في ثوابت الأمة.
إن أمة تعهد خالقها بحفظ كتابه لن تموت وإن تماوتت ،ولن تضعف وإن بدا عليها الوهن، ولن تستسلم وإن اعتراها الخور، فالله حافظ دينه من كيد الكائدين وتربص المتربصين، وهذه الدولة أعزها الله أخذت على عاتقها، من لدن المغفور له بإذن الله الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه ومرورا بأبنائه البررة، نصرة الدين والذود عن حياضه بالغالي والنفيس، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون. إن الصراع بين الحق والباطل لايحده زمان ولامكان وفي الأمة من حملة لواء الحق والفضيلة مايبهج الخاطر ويسر الفؤاد، وهم الكثرة الكاثرة والطائفة المنصورة بإذن الله، فمهما نعق الناعقون فديننا خط أحمر لايقبل المساومة ولا أنصاف الحلول، وفي كل قوم ساقط، والأمة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد، ورب ضارة نافعة فلولا الإعلام لما ميزنا من يكيل لديننا العداء ولولاه لما عرفنا من يحارب الفضيلة.
إن المجتمع الإسلامي الذي تربى في أحضان الفضيلة لايبغي لها بدلا، وهؤلاء الذين يحاربون الفضيلة ورجالها والعلماء الأجلاء والدعاة المخلصين نتعبد ونتقرب إلى الله ببغضهم والإشفاق عليهم فلو وجدت فيهم الأمة مايقربها إلى الله لبادروا إليهم، لكنهم أبعد مايكونون عن ذلك، وهم أجناس وألوان كل منهم يؤدي دوره بامتياز، وتتنوع تصريحاتهك لكنها تصب في قالب واحد، قالب محاربة الدين والفضيلة. فبعضهم يعتبرمن يحرمون الموسيقى في قمة البهيمية ، وآخر يتفوه بالكفر ويجعل الخالق عز وجل والشيطان وجهان لعملة واحدة ويصفه بالمسكين ويصرح بأن مادتي القرآن والتجويد أصعب وأبغض المواد عند التلاميذ ويطعن في الصحابة ، وآخر يعتبر القرآن عملا أدبيا ينبغي نقده ، ناهيك عن المواقع في الشبكة العنكبوتية التي تسب الذات الالهية وتسخر من الدين ، وهناك من تفوح رائحة الجنس العفن من اصداراته. ولاحظنا الصمت المطبق من رموز هذا التيار المنحرف عندما شن الغرب حملته الظالمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم في الوقت ذاته يتصدون للمصلحين ويقارعونهم العداء، ومنهم من يهزأ بالتنزيل ويسخر من الله ويقول بأنه واثق من أن هناك علاج للموت ، ومنهم من يتغزل في تفاصيل الجسد و يصرح بأنه رأى الله مذبوحا وأنه مات وأن الله خادمه ويشبه وجه داعرته بوجه الله ويدعي بأنه من يغير الأقدار ويردد بأن الشهيد من مات على دين محبوبه، وهو وأضرابه أحقر وأذل من أن نوليهم اهتماما أو نحتفظ بكفرياتهم على رفوف مكتباتنا.
ومافتئ هؤلاء يحاربون دين الله ويحشدون الناس لتلك الحرب، حتى الحداثة التي قد تعني أحيانا قيمة جمالية إذا ماأطرت بلإطار الدين اخرجوها من سياقها وزجوا بها في أتون محاربة الفضيلة فهذا كبيرهم الذي علمهم السحر المدعو/ علي أحمد سعيد إسبر المعروف بأدونيس وهو اسم يعني ( أحد أبطال الأساطير الفينيقية) يصرح على صفحات مجلته (مواقف) بمحاربة الحداثة للمقدسات ورموز الإسلام بقوله : إنها من مناخ المجابهة ، إنها فعل المجابهة ، تزول في هذا الفعل هالة القداسة . لن تكون هناك موضوعات مقدسة لا يجوز بحثها..." . ففي منبر الحداثة كل شيء مباح، ليس من أجل الحقيقة، فقد تم الاتفاق منذ البداية على أن كل ما هو قديم مرفوض، من أجل الهدم ... الهدم فقط وليس البناء، وقد تبلور هذا الاتجاه فيما بعد بشكل صارخ على صفحات هذه المجلة، وانبرى الكتاب الحداثيون لإعمال معاولهم في صرح الإسلام الذي تحول لديهم إلى تراث يجب نفض أيدينا منه، يقول في العدد السادس: "ما نطمح إليه ونعمل له كثوريين عرب هو تأسيس عصر عربي جديد . نعرف أن تأسيس عصر جديد يفترض بادئ ذي بدء الانفصال كلياً عن الماضي، نعرف كذلك أن نقطة البداية في هذا الانفصال - التأسيس هي النقد: نقد الموروث ونقد ما هو سائد شائع. إن ماضينا عالم من الضياع في مختلف الأشكال الدينية والسياسية والثقافية والاقتصادية، إنه مملكة من الوهم والغيب تتطاول وتستمر، وهي مملكة لا تمنع الإنسان العربي من أن يجد نفسه وحسب، وإنما تمنعه كذلك من أن يصنعها".
هكذا تكون الحداثة في نظر هذا المأفون: هدم للدين ثم إزالة له ... لماذا ؟ لأنه (ضياع ووهم وغيب مستمر !!) . إن بذاءات الليبراليين واجتراءهم على الذات الإلهية وتسخيرهم لكل شيء ووزنه بميزان العقل المجرد عن الدليل حتى لو كان نصا قرآنيا أو حديثا شريفا ليؤشر ويدلل على مدى الإفلاس الذي يعيشون فيه والمبادئ التي ينتهجونها والعفن الفكري والانحراف العقدي الذي يطالعونا به على الصحف وفي ساحات الشبكة العنكبوتية. والأعجب من ذلك كله انتصارهم وحماسهم لباطلهم ينافحون دونه ويناضلون يرمون أهل الإسلام بكل موبقة ويتصيدون أخطاءهم ويزرعون الشك في عقول الناس، كلهم يرمون عن قوس واحدة حلفاء في الشر والكيد لهذا الدين. إن الصراع بين الحق والباطل، والفضيلة والرذيلة، والاستقامة والإنحراف صراع أزلي ، ولن يظهر الحق إلا إذا قارع الباطل، فلاتيأس أخي من روح الله واصبر وصابر وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، واعلم أن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا، وليس عليك إلا البلاغ أما النتائج فلا نسأل عنها وهذا من حمة الله تعالى.
د. عبدالله بن صالح الخليوي