حينما يتحول الجيش في أية دولة إلى أداة للقمع الشعبي، و قتل المدنيين أبناء الوطن، فإن ثمة انحرافا خطيرا طرأ على المهمة الأساسية لهذا الجيش.
نحن في العالم العربي طالما افتخرنا بجيوشنا التي لم تنتصر يوما، لكن اعتقادنا أن الجيش هو صمام الأمان و «حامي الديار»، جعل منه كيانا مقدسا لا يمكن المساس به، وهنا المقصود بالتحديد الحالة السورية على وجه الخصوص، لما دار حولها من جدل واسع حول فلسفة هذا الجيش عن مفهوم الدفاع.
لن أطيل في الجواب، وأقول إن الجيش العربي السوري تحول من الجيش الوطني، الذي حارب إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 1973 إلى جيش العائلة الأسدية، تلك المهمة اللعينة التي ابتلي بها السوريون.
المفهوم الخاطئ للوطنية أدى إلى سوء فهم في الاتجاهات كافة، سوء فهم اعترى كل مؤسسات الدولة السياسية والمدنية ومنها العسكرية، حتى ظن الأسد أن الدولة لتحميه لا ليحميها، وزج بالجيش والمخابرات ومقدرات الدولة لحماية نظامه.
لقد تحول الجيش السوري صاحب بطولات حرب تشرين التحريرية إلى قطعان تحارب في الأزقة و «الحارات». وهي نتيجة طبيعية لترهل هذه المؤسسة التي فقدت عضلاتها، وتكلست على مدار 39 عاما من سياسة «التسمين» من أجل لا شيء. هذا الجيش الذي شارك في حرب 1948 في فلسطين. يفتخر اليوم بوجوده وانتشاره في «زنقات» دمشق وريفها يطارد ما يسميهم النظام بالمسلحين، إن هذا الجيش لم يعد جيش سورية العربية، وإنما تحول إلى جيش الأسرة.
بعد العام 1995 أسر الرئيس الراحل حافظ الأسد لمحيطيه وبعض زواره الغربيين أنه لم يعد يؤمن بمفهوم التوازن الاستراتيجي مع العدو الإسرائيلي، بسبب القفزات النوعية في تسلح إسرائيل، مقابل بطء التسلح السوري، خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عندها انتقلت المؤسسة العسكرية السورية من مؤسسة لحماية أمن الوطن إلى كيان « بزنس»، وامتلأت بطون الضباط، وانخرطوا في التجارة ولعبة المال، وضاعت هيبة الجيش في بورصات الأموال.. وهم الآن يقاتلون من أجل الحفاظ على الثروة وإسكات صوت الثورة.
منذ أن سيطر البعثيون على مقاليد الحكم في سورية وتسللوا إلى المؤسسة العسكرية، غاب مفهوم الدولة الوطنية وتعزز مفهوم الدولة الحزبية، وباتت سورية التاريخية المتنوعة بلون سياسي واحد، بعد أن كان الحراك السياسي والعسكري السمة البارزة في عاصمة الأمويين.
بقلم / عبد الله الغضوي
جيش الـ 73 يقاتل في الازقة
العرض العادي
