فهمت من تصريح «لنزاهة» أن دورها يقتصر على الكشف عن الفساد فقط لا غير، أما التشهير بالجهة ومعاقبة الفاسدين فتتولاه جهات أخرى وهذا التوضيح قد يكون مهما بالنسبة للذين يظنون أن نزاهة سوف «تشنق العتبة وتعلق الباب»، أما الذين يعلمون عن دورها المرسوم، فإنهم لن يتعجبوا من قولها المشار إليه لأنهم يرون أن ما كلفت به كان جزءا من مهام جهات رقابية أخرى عهد إليها بمتابعة ظواهر الفساد المالي أو الإداري ولكن لعل تلك الجهات قصرت في جوانب من متابعتها ومكافحتها للفساد فرأت الدولة إنشاء هيئة خاصة للمكافحة أطلق عليها لقب «نزاهة» لأن النزاهة ضد الفساد المالي والإداري، وكان المأمول أن يكون دور نزاهة أكبر من الاكتفاء بالكشف عن الفساد، لأن الفساد بجميع أنواعه لم يكن مغطى تماما بالشكل الذي يحتاج لمن يكشفه لأن آثاره واضحة ونتائجه الوخيمة لا تخفى على أحد!، فلا يكون مجرد الكشف عنه ذا بال ما لم يكن لدى الهيئة صلاحيات تجعلها تقترح العقوبات المناسبة ويكون لما تقدمه أو ترفعه قوة وأهمية تحميه من التجاهل أو الحفظ أو محاولة التضييع بأي وسيلة من الوسائل أو أي طريقة من الطرائق، ولأن الكشف عن الفاسد ليس هدفا في حد ذاته بل وسيلة لتحقيق هدف وهو الحفاظ على الأموال العامة والخاصة من الاستباحة من أي موظف أو مسؤول أو إنسان في أي موقع من المواقع، أما إن كان كل اهتمام «نزاهة» هو الكشف عن الفساد ثم لا يكون لها الحق في المتابعة لمعرفة ما تم حيال ما قدمته من ملفات عن الفساد حتى لو أدخلت تلك الملفات في الأدراج الباردة ونامت فيها سنوات أو عقودا، فإن أحدا لن يأبه بما تقوم به نزاهة، لأنه لا ينبني على عملها وكشفها وما تجمعه من مستندات ووثائق وأدلة أي إجراء، فتصبح عندها مثل الأيتام على موائد اللئام وربما سخر منها الفاسدون إذا مرت بهم وهم يتغامزون حتى يقولوا للفاسد منهم إذا اكتشفتك نزاهة نجيب لك شرشف ونغطيك!؟
إن نزاهة وحدها لا تستطيع أن تعمل أو تؤثر أو تكافح فسادا أو تحمي منه بلادا أو عبادا ما لم يكن بجوارها أجهزة قضائية وتنفيذية تسير في معيتها وتساعدها على مكافحة الفساد والفاسدين وتطهر الإدارات والمصالح منهم وتعاقبهم بما يجعلهم عبرة لغيرهم دون استثناء لأي فاسد، لأن أي استثناء في هذا المجال يؤدي بسرعة إلى تحوله لقاعدة عريضة.. وسلامتكم!.
محمد احمد الحساني
عكاظ