هل من هجرة في هذا الزمان ؟

إن من رحمة الله بعباده أن جعل الهجرة كقيمة حضارية ودلالة أخلاقية راقية لا ترتبط بمكان ولا بزمان وإنما جعلها باقية إلى يوم الدين ..فهي صفة من صفات المسلم الحقيقي .
فالهجرة التي نوه الله بها وشرف أصحابها هي تلك النقلة النوعية التي يحققها المسلم في ذاته فيرتقي بها في مدارج الصالحين ويستزيد من التقوى والعمل الصالح .. وهي التي دل عليها قوله صلى الله عليه وسلم : " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " رواه البخاري .




فالهجرة الحقيقية هي جهاد النفس الأمارة بالسوء ومكابدتها على الطاعة والعمل الصالح والابتعاد عن المعاصي والفساد ..يقول رسول اللهصلى الله عليه وسلم :" المهاجر من هجر ما نهى الله عنه " رواه البخاري .
الهجرة هي هجرة الجهل والأوهام إلى نور العلم والمعرفة لتحقيق معاني الاستخلاف والارتقاء بالمجتمع .. فكما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الجهل والجهلاء وأعلى من شأن العلماء فعلى المسلم أن يسير وفق هذا المنهج القويم فيقبل على تحصيل العلوم والمعرفة ويضحي بكثير من راحته في سبيل ذلك ...



والهجرة هي هجرة الخمول والكسل إلى العمل المجدي المثمر والانضباط والحزم والشعور بالعزة والكرامة ..وبمثل هذه القبم تبنى الحضارات وتؤسس المدنيات .
فالهجرة التي نحتفل بها ليست تحولاً مكانياً وإنما هي تحول من نوع خاص يكون المسلم فيه أمضى عزيمة وأعظم ثباتاً في إصلاح الذات وتحقيق نشر الهدى في كون الله ..إذ هي هجرة من أجل المبدأ والدين والارتقاء بالمجتمع والسير به نحو الإيجابية للإسهام في بناء الحضارة الإنسانية على أساس القيم والفضائل ..