بعد أن استفحل امر الخوارج ، وعاثوا في الارض فسادآ ، وسفكوا الدم الحرام ، واستطار شرهم ، عزم على رضي الله عنه على قتالهم والقضاء على شرورهم ، فخرج لقتالهم في (النهروان ) وهي في الجنوب الشرقي من بغداد . وكان ذلك سنة ٣٨ هجري ، وهي اول معركة مع الخوارج ، وقد انتهت بمقتل الكثير من قادتهم ، وقتل اميرهم ( عبدالله بن وهب الراسبي ) . روى الامام مسلم في صحيحه عن زيد بن وهب الجهني _ وكان في جيش علي بن ابي طالب رضي الله عنه : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يخرج قوم من امتي ، يقرأون القرأن ، ليس قرائتكم لقراءتهم بشيء ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيىء ، يقرأون القرأن ويحسبون انه لهم ، وهو عليهم ) . ثم قال علي : لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ، ما قضي لهم من الاجر على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لاتكلوا على العمل . وأية ذلك أن فيهم رجلآ عضد ليس له ذراع ، على رأس عضده مثل حلمة الثدي ، عليه شعرات بيض ! ، قال زيد بن وهب : فلما انتهت المعركة بهزيمتهم قال علي : التمسوا فيهم المخدج ! ، فالتمسوه ، فلم يجدوه ! ، فقام علي بنفسه ، حتى اتي ناس قتلى منهم ، بعضهم على بعض ، فقال : اخروهم ، فأخروهم ، فوجدوا المخدج قتيلآ مما يلي الارض ، فلما رأه علي قتيلآ ، كبر ، ثم قال : صدق الله وبلغ رسوله . فقام عبيدة السلماني فقال : يا امير المؤمنين : بالله الذي لا إله إلا هو ، انت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال علي : والله الذي لا إله الا هو إنني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى مسلم عن عبيد الله بن ابي رافع قال : لما خرجت مع علي بن ابي طالب لقتال الحرورية _ الخوارج _ قالوا : لا حكم إلا لله . فقال علي ( هذه كلمة أريد بها باطل ) ، وإن رسول الله قد وصف اناسآ ، وإني لأعرف صفتهم في هؤلاء ، يقولون الحق ، لا يجاوز هذا منهم _ وأشار إلى حلقه _ من ابغض خلق الله إلى الله ، منهم اسود احدى يديه طُبْيُ ( ١ ) شاة او حلمة ثدي . فلما قتلهم علي قال : انظروا هذا الرجل الاسود ، فنظروا فلم يجدوه . قال علي ارجعوا فانظروا ، ولا بد أن تجدوه ، والله ما كذبت ولا كُذِبْتُ !! ، فعادوا فنظروا ، فوجدوه مقتولآ في خربة ، فأتوا به عليآ . فكبر . وروى البخاري ومسلم عن سويد بن غفلة قال : قال علي بن ابي طالب : إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلأن اخر من السماء أحب إلي من ان اكذب عليه ، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يخرج قوم من امتي ، في اخر الزمان احداث الاسنان ، سفهاء الاحلام ، يقولون من قول خير البرية ، يقرأون القرأن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم اجرآ لمن قتلهم عند الله .
من كتاب سيرة الخلفاء الراشدين ، د / سليمان معرفي .
١ _ طُبْيُ*: حلَمَة الضَّرْع التي فيها اللبَنُ وَالتي يرضَعُ منها الرضيعُ ، وقد يُطْلَقُ على الضَّرْع والجمع :*أَطْباءٌ .