خيانة الغفلة
ومن أنواع الخيانة للقدس والأقصى الغفلة عنهما وعدم ورودهما على الخاطر بتاتا إلا في ما ندر , وإلا فأنا أسأل الآن كل من تصله كلماتي , كم مرة تخطر فلسطين على بالك في اليوم ؟ وكم مرة دعوت في هذا الشهر ربك أن يحرر الله القدس والأقصى وفلسطين ؟ وكم مرة دعوت أن يسخر الله له للأقصى من ينصره ويفك وثاقه ؟وكم أنفقت من أجل أن يعود الأقصى لحوزة المسلمين ؟ , ماذا ضحيت ليرجع الأقصى ولترفرف عليه رايات التوحيد ؟ حقا إننا غافلون عن مقدساتنا , ولقد جعل القرآن الغافلين أسوأ حالا من الأنعام , قال الله تعالى:" وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)"(الأعراف) , وفي الحين الذي يغفل ويجهل الناس ما يفعله اليهود بالأقصى وما يحاك ضده وما يمكر الأعداء به لإزالته , ترى الناس يعلمون دقائق الأمور الدنيوية وتفاصيلها , أليس من العيب على أمة الإسلام أن يكون علمها بالدنيا أكثر من علمها بالمقدسات وبالخطر الذي يحاك ضدها ؟!!! قال الله تعالى :" يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)"(الروم) , ومن مظاهر الغفلة عن القدس والأقصى ترك الإعداد الإيماني والمادي لتحرير بيت المقدس , قال الله تعالى:" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)"(الأنفال) , ومن مظاهر الغفلة عن القدس والأقصى أيضا ترك الدعاء , ومعلوم ما للدعاء من أثر على تحقيق المرادات والرجاءات والغايات , قال الله تعالى :" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)"(البقرة) , وقال أيضا:" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) "(غافر) , ولقد بين النبي – صلى الله عليه وسلم - أن من أعظم أسباب النصر الإلحاح بالدعاء على الله والإكثار من ذكره ,أخرج النسائي أن الرسول قال :" إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ" , ولقد قال قتيبة بن المسلم وقد استعصى عليه فتح حصن وسأل عن محمد بن واسع فقيل له :إنه يرفع أصبعه ذاكرا لله :"إن هذه الأصبع الفاردة أحب إلي ن ألف سيف شهير وشاب طرير" , ومن مظاهر الغفلة عن المقدسات أيضا الركون إلى الدنيا وجعلها هي الغاية من الوجود , وإهمال ما سواها , أخرج البخاري في صحيحه أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال :" تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ إِنْ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ" , وعجبا لرجل مسلم يؤمن بالله ربا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم - رسولا وبالإسلام دينا كيف يغفل عن الأقصى والآخرة من أجل الدنيا وملذاتها , كيف يفعل هذا والله يقول:" زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)"(آل عمران) , كيف يغفل المسلم عن الأقصى والآخرة من أجل الدنيا وملذاتها , كيف يفعل هذا والله تعالى يقول:" أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)"(البقرة) , يا أمة الإسلام ... كيف يطيب لك أن تشاهدي المسرحيات والمسلسلات والأفلام وتسمعي الأغنيات وتغوصي فيما يغضب الله والأقصى يشتكي بين براثن اليهود المجرمين ؟!!! فإذا كان هذا حالك فإن صلاح الدين ما كان يجوِّز لنفسه الضحك عندما كان الأقصى بين أنياب الصليبيين , فمتى ستصحو الأمة من سباتها وتستيقظ من غفلتها ؟!!! أرجوا أن يكون هذا قريبا .
أخوكم : أبو يونس العباسي
مدينة العزة غزة