مؤشرات الفساد في قرار التاسعة

وزارة العمل السعودية رفعت طلبا تم التوافق عليه بمعرفة جهات حكومية مختلفة، وأوصت بأن يكون إقفال المحال التجارية في تمام التاسعة مساء، وطبقا لما قاله وزير العمل المهندس عادل فقيه في فترة سابقة، فإن التنظيم أو التوصية ــ إن جاز التعبير ــ موجودة عند هيئة الخبراء وتنتظر عرضها وإقرارها من مجلس الوزراء خلال أسابيع قليلة، وهذا المشروع يحقق أهدافا نبيلة ومطلوبة، من بينها وربما أهمها، التسريع في توطين محال الملبوسات النسائية، ولاحظت أن مصطلح «السعودة» قد تم استبداله بـ«التوطين»، وهو جديد وجميل، بل ومطبق ومعمول به في أكثر من بلد متطور؛ لأنه ينطوي على حياد لا يفرق بين الجنسيات، وبنفس المستوى يعطي المواطن والمواطنة أولوية مستحقة في فرص التوظيف، في حال توفر المؤهلات المطلوبة، وبدون الدخول في منافسة مع غير السعوديين، أو هكذا تقول النظرية ويبقى التطبيق محل نظر.

دوام القطاع الخاص ما بين السادسة صباحا والتاسعة مساء معني بمحال دون غيرها، أو بالمراكز والمجمعات التجارية، وهذه يسمونها ــ تجاوزا ــ تجارة التجزئة ومنافذ البيع، ولن تغلق المطاعم ومدن الألعاب والقهاوي أبوابها قبل الثانية عشرة صباحا، وسيستمر عملها في مواسم وأيام الإجازات إلى الواحدة صباحا، وهناك استثناء خاص بشهر رمضان المبارك، وفيه سماح عام لكل أصحاب الأعمال بتمديد أوقات العمل حتى الثانية صباحا، فيما تواصل المطاعم عملها إلى أن يؤذن المؤذن ويمسك الصائمون، والاستثناء الثاني لمركزية مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتحديدا المناطق التجارية المحيطة بالحرمين الشريفين والحركة المستمرة فيهما على مدار الساعة، وسيتم إقرار ساعات عمل تنسجم وخصوصية المكانين عن طريق المجلس البلدي في المدينتين، والاستثناء الثالث يخص تحديد المحال المرخص لها بالعمل أربعا وعشرين ساعة بدون توقف، وستقوم بالمهمة لجنة تشترك فيها وزارات العمل والشؤون البلدية والداخلية، ولا توجد اشتراطات ورسوم معروفة لمنح امتيازات من هذا النوع.

في البداية، أتصور أن دوام السادسة صباحا مستحيل؛ لأنه يتداخل مع صلاة الفجر، وعلى وجه الخصوص في أيام الشتاء أو أثناء ما يعرف بالتوقيت الشتوي، ولن يستفيد من دوام السادسة صباحا إلا منطقة أو منطقتان تختلفان في توقيتهما جزئيا، بافتراض إمكانية تطبيقه من الأساس، وإذا أخرجنا المطاعم من المعادلة، ولن أتكلم كثيرا عن مدن المركز والأطراف، حتى لا أحرك شجون رفيق السلاح والصديق العزيز الدكتور على الموسى، ولأني في الحقيقة محسوب على مدن المركز، وشهادتي لن تكون في صالحي أبدا، وأتفق بشروط مع من يرى في العمل من التاسعة صباحا إلى التاسعة مساء حلا معقولا، على اعتبار أنه الأقرب لساعات عمل موجود في معظم دول العالم، وإن اختلفت التفاصيل، وهؤلاء يعملون ما بين السابعة صباحا والسابعة مساء، ما يعني أن العمل لا ينقطع لمدة 11 ساعة، مع استراحة مدتها ساعة لأخذ وجبة خفيفة في الظهيرة، والحالة السابقة صعبة وغير متحققة في المملكة، والسبب إقفال المحال الطويل أوقات الصلوات وبعد انتهاء الدوام الحكومي في الثانية والنصف مساء إلى ما بعد صلاة العصر في الخامسة مساء.

غالبية الدول يتوقف دوامها التجاري لمرتين، وفي المملكة تتوقف الأعمال التجارية لست مرات في اليوم الواحد، أو بلغة الأرقام أربع ساعات في المتوسط، والمعنى أنها لا تعمل إلا 8 ساعات فقط، والعمل الفعلي في الأسواق أو المراكز التجارية لا يبدأ إلا بعد صلاة المغرب، والمحصلة أن مدة الحركة التجارية في الأسواق والمجمعات، أو عمليات تبادل البضائع والأموال، لن تتجاوز الساعة في أحسن الأحوال؛ لارتباط الشريحة الأكبر من العوائل السعودية بمحارمها من الموظفين والطلبة في التنقل، وقبل أن يقفز علي أحدهم من صندوق «باندورا» المعتق، أقول بأن من يعارض أو يؤيد سواقة المرأة لا يدخل في حسابات المقالة أو صاحبها، والوقت المخصص لإقفال المحال في أوقات الصلاة لم يهمل، رغم أن المشروع المقترح يلمح إلى تأجيل صلاة العشاء دون أن يشير إليها صراحة، وتأخير العشاء من الأمور المحببة قياسا على روايات صحيحة عن الرسول الكريم، إضافة إلى أن البيع لم يحرم إلا بعد أذان الصلاة في يوم الجمعة وحدها أو الأذان الثاني الذي يسبق الخطبة مباشرة، وبالتالي لا بد من وجود رخص لمن يرغب في استمرار البيع لمصلحة أو مشقة في أوقات الصلوات المفروضة، وأعتقد أن صلاة أصحاب المحال المتجاورة في جماعة قريبة من المحال، يسقط شرط وجودها؛ لأنها موجودة وممكنة وقد أكون مخطئا.

التنظيم في حال إقراره خلال اليوم أو اليومين القادمين ــ على سبيل المثال ــ لن يطبق إلا بعد ستة أشهر من الصدور، والغرض أن تعطى الجهات المستهدفة فرصة كافية لترتيب أوضاعها وأوضاع موظفيها مع متطلباته، والخروج من العمل في أوقات مبكرة جيد، خصوصا في حالة المرأة، ويجوز أن مشاكل التجاوزات المخلة بالآداب العامة في أماكن التسوق ستتراجع، ولكنها ستزيد في مواقع بديلة ومفتوحة، والمعروف أن ربع من يذهبون إلى الأسواق يمارسون التسوق بمعناه الحرفي، والإعداد المتبقية تزور الأسواق لتمضية الوقت أو ممارسة رياضة المشي، والسبب انتشار القلق والمضايقات في المتنفسات المتاحة، أو قد يمارسون ما يعرف بـ«الويندوشوبينغ» أو بالعربية التسوق بالنظر إلى الواجهات الزجاجية لمحال تجارية دون وجود نية شراء، ولا بأس من مراجعة وقراءة هادئة لنظام ساعات العمل، وتوضيح الجوانب الملتبسة فيه؛ لأن إقراره في شكله المعلن يعمل ضد مصلحة الزبائن والمتسوقين، ولا يخدم إلا التجار والعاملات في تجارة التجزئة ومنافذ البيع، ثم إن باب الاستثناءات واسع جدا في مسألة ترخيص الأربع وعشرين ساعة، وفيه مؤشرات لفساد محتمل يحتاج إلى ضبط وتقنين.

بدر بن سعود
عكاظ

اخوى الفارس
مجهود مميز
يعطيك العااااااااااااافيه