الربط على القلوب
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ
هذه ثلاث آيات في كتاب الله ذكر الله فيها الربط على القلوب،
في ثلاث محن عصيبة مر بها المؤمنون،
أولها حين ألقت أم موسى بطفلها في اليم وعلمت بوصوله إلى قصر فرعون وانتابها الخوف والفزع وقد وصل ابنها إلى سكاكين القتلة الذين يبحثون عنه حتى كادت من شدة خوفها وقلقها وفراغ قلبها أن تبوح بخبره وتعلمهم أنه ابنها لكن الله عصمها بأن ربط على قلبها، فثبتت وصبرت وسكنت واطمأنت حتى عاد إليها، فإذا كان الربط على القلوب طمأن امرأة والهة على رضيعها وهي تعلم أنه بين يدي الذي توعدوا الأطفال بالذبح، فكيف بما دون ذلك.
وثانيها: موقف الفتية المؤمنين أصحاب الكهف والرقيم حين قاموا مع صغر سنهم وضعفهم وجبروت مدينتهم في وجه جبار المدينة الوثنية الكافرة يدعون إلى ربهم وينكرون عبادة الأوثان التي عليها هذا الجبار وقومه، فأخبر الله أنهم ما قاموا مقامهم ذلك إلا لأن الله ربط على قلوبهم إذا قاموا، وثبتهم وصبرهم، ولولاه سبحانه ما أطاقوا ذلك ولا تمكنوا منه
وثالثها: في بدر في يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، والمؤمنون لأول مرة يواجهون عدوهم في فئة قليلة يلقون ثلاثة أضعاف عددهم وعدتهم، وقد خرجوا من المدينة غير مستعدين لذات الشوكة، فوجدوا أنفسهم في مواجهة المشركين في بدر وهم بعيدون عن المدينة، فرحمهم ربهم وأنزل عليهم الغيث لتطمئن قلوبهم وتسكن أفئدتهم وهذا الموضع الثالث للربط على القلوب
أيها المؤمنون
حين تنزل المحن والآلام بالإنسان، وتطرقه الحوادث، وتصيبه الملمات، فإن أول ما تنزل هذه الآلام في القلب، حيث عاصمة الجسد والروح فتضعفه وتوهنه وتزلزله وتفرقه وتشتته ويصبح فريسة للأفكار والوساوس والأوهام والتخيلات فإن كان مريضا من قبل استحكم الرعب فيه كما قال الله عن المنافقين
فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ
فإذا أراد الله بعبده خيرا ألهمه في المواقف العصيبة أن يتوجه إلى ربه ويسأله أن يربط على قلبه وينزل السكينة والطمأنينة عليه وأن يثبته ويصبره
إذا أردت أن تعرف نصيبك من ربط الله على قلبك
فإن أعظم علامات حدوث ذلك، يقظة التوحيد
و التوكل على الله ، وتفويض الأمور إليه، والثقة المطلقة به، واليقين بأن الأمر كله بيده،
حين تشعر في الأزمات بفاقة عظيمة إلى الله، ويقين بأنه لا مخرج لك من محنتك إلا الله فهذا بشائر الربط على قلبك حينها تؤمن وأن المقادير كلها بيد الله، والملك والأمر له، وتستشعر أنه معك، في محنتك وخوفك وضيقك وكربك
الصبر والثبات والربط أعظم مدد ينفعك في المضائق
اسمع إلى دعوة طالوت والمؤمنين معه
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا
أول خطوة في المحن هي أن تقول ربنا
يارب
وقبل سؤال المدد بالجند والعتاد سألوا ربهم الصبر،
تجاوز المحن بنزول الثبات والصبر في القلوب
وفي قصة السحرة
حين قالوا لفرعون
وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وتوفنا مسلمين.
التوحيد والثقة المطلقة بالله العزيز القوي الحميد،
مهما أحدقت بك المحن، وأحاطت بك البلايا والرزايا والفتن،
مرض أو فقر ، خوف أو قلق وحدة أو غربة يكفيك الله وحده
و الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
يكفيك ربك من كل هم ومن كل خوف ومن كل بلاء
قال الرسول لصاحبه
في الغار
إن الله معنا
في حزنك ومرضك في محنتك وخوفك في همك وكربك
إذا كان الله معك
فلو ذهبت بعض صحتك لكن الله معك
ولو ذهب مالك لكن الله معك
ذهب أحبتك وشبابك وجاهك لكن الله معك
كن غنيا بالله وحده
معك القوة التي لا تغلب، والخير الذي لا ينضب، والرحمة التي تحفك وتغمرك
الربط شيء لا تراه ولا تحسه إنه خفي في قلبك لا يعلم كيف يحدث إلا الله لكن تشعر بآثاره في حياتك في طمأنيتك وسكينتك في ثباتك وصبرك في سعادتك وانشراحك
لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ