وصلتني صورة عبر "الواتس أب" هي عبارة عن بعير واقف وخلفه سيارة وقد كتب تحت الصورة "بعير فلان قيمته خمسة وخمسون مليون ريال سوم".. فضحكت من أعماقي - رغم حزني - عشرات المرات، وضربت كفاً بكف عشر المرات.. ولا تظنوا أن ذلك تعجباً أو استهزاء أو سخرية من قيمة الجمل أبداً.. لكني ضحكت وأنا أرى السيارة الجميلة خلف البعير، والتي صنعتها التقنية الحديثة.. تفكرت في السيارة، وفي صناعتها، وفي عدد قطعها، ومساميرها وبراغيها وصواميلها، وأنابيبها الصغيرة والكبيرة، ومقاعدها ومكيفها، وما بها من إضاءات وكهرباء، وآلات إلكترونية.. إلخ
مع كل ما بذل فيها من جهد وطاقة، وتعب، ورحت أسأل كم مرة نقلت أجزاؤها، وقطعها من مكان إلى مكان في المصنع؟! فكل قطعة لها قالبها الخاص، ومصبها الخاص، وتركيبها الخاص.. كم من الوقت أخذ التخطيط الهندسي المسبق لتطويرها من قبل المهندسين المختصين؟! ثم رحت أسأل مرة أخرى عن العاملين، والأيدي والأصابع التي شدت البراغي، والقطع، بل تصورتهم وهم ينهضون باكراً يتحملون البرد، والحر والمشقة، والمخاطرة وأيديهم تتعرض للإصابة والتلف، وظللت أفكر وأفكر، في وقودوها من بنزين، وزيوت والتي استوردت من بلادنا وعجلات المطاط التي جاءت من أفريقيا أو صنعت من مشتقات البترول نفسه، وتساءلت عن الفترة الزمنية والبعد الجغرافي!! فكم من المراحل استهلكت منذ حملت في الباخرة التي أخذت تجوب البحار حتى وصلت إلينا بسلامة الله؟! ثم عقدت مقارنة بين قيمة السيارة وقيمة البعير الذي يقف أمامها وبعد حساب دقيق وجدت أن قيمة بعيرنا غير النهائية فذلك سوم "إن صحت الرواية" تساوي ثلاثمئة وسِت وستين سيارة، ونصف سيارة. فقلت مساكين أولئك الذين صنعوا هذه السيارة أو أمثالها والله لو علموا ما نحن فيه لغبطونا وحسدونا على هذه النعمة، فهم يرهقون أنفسهم، ويكرون ويفرون ليل نهار، يتصارعون ويتنافسون حول إنتاج أفضل السيارات، ويدخلون معارك اقتصادية، وحسابات مالية بنكية معقدة، ونحن بحمد الله نملك بعراناً كثيرة بمثل هذه القيمة التي تفوق أرتالاً بل مئات من مثل هذه السيارة..!!
ثم عدت وفكرت في نفسي، واستحييت من ورقي وأقلامي، وكتبي، بل استحييت لأولئك الذين يحيون ليلهم من أجل العلم والبحث والمعرفة، في جامعات ومراكز البحث العلمي في الدنيا، والذين لا يملكون إلا رواتبهم القليلة التي لا تكاد تسد حاجاتهم وفاقتهم، وقلت والله لو علموا ما علمت، وشاهدوا ما شاهدت لرددوا معي قول الأحيمر السعدي ذلك الشاعر العباسي الذي كان يقطع الطريق ويسرق البعران والذي كان يستحي من الله أن لا يكون في حبله بعير واحد وبعران الله كثيرة..
وإني لأستحي من الله أن أُرُى *** أجرر حبلاً ليس فيه بعيرُ
وأن أسأل المرء اللئيم بعيره *** وبعران ربي في البلاد كثيرُ
وحقاً إن بعران ربي في البلاد كثير...
عبد الله الناصر
الرياض