الإخوان المسلمون والفلول الجدد

الإخوان المسلمون والفلول الجدد: هل بدأت الحرب الأهلية الباردة في مصر؟!
د. أشرف الصباغ

في ظل تصاعد الأزمات القانونية في المشهد السياسي المصري، يصف الخبراء ما يجري بأنه صراع بين الدولة العميقة بطواغيت مالها وأجهزتها الأمنية من جهة وبين الإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد وحزب الحرية والعدالة وطواغيت المال التابعين لهم من جهة أخرى. وبمد الخطوط على استقاماتها، يحذر خبراء من أن الأزمات الشكلية القائمة حاليا بين المجلس الأعلى والإخوان المسلمين تستهدف أساسا إعادة تقسيم السلطة بينهما وعدم إشراك أية من القوى السياسية أو الاجتماعية الأخرى في اللعبة السياسية الحالية. وهناك شبه إجماع بأن الصراع الشكلي الحالي بين العسكر والإخوان يهدف إلى إضعاف القوى المدنية وتقسيمها وتشتيت قواها وحصارها في فخ الاختيار بين الماضي الذي قامت ضده الثورة وبين حاضر يتم توجيهه إلى ماض أبعد من الماضي القريب الذي سبق 25 يناير 2011.

كل المشاهدات تؤكد أن مصر وضعت أقدامها على أول طريق الحرب الأهلية "الباردة" بعد وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة. فما يجري في مصر الآن ليس ذلك التنوع والتنافس، بل وحتى الصراع، الذي يحدث خلال المنعطفات التاريخية والتحولات الاجتماعية والسياسية. إن ما يجري هو انقسام واضح عن طريق خلط الأوراق والمؤامرات القانونية والدينية، ما يعطي انطباعا خادعا بأن الأمور تسير على ما يرام وأن ما يجري هو من طبيعة الأمور. غير أن الواقع يشير إلى أن المجلس العسكري ارتكب أخطاء منهجية وعقائدية ومهنية عندما أضاع استثمار موقفه "الشكلي" في الأيام الأولى من الثورة المصرية. وهو ما يذكرنا بما فعله أنور السادات عندما أضاع الاستثمار السياسي لنصر 6 أكتوبر المجيد. واستمرارا في ارتكاب الأخطاء فضل المجلس العسكري في مصر أن يبتعد عن جميع القوى الوطنية والليبرالية واليسارية ويتجه إلى صراع خادع مع جماعات الإسلام السياسي التي لا تختلف عنه كثيرا من حيث طريقة التفكير والتوجهات والاستئثار بالسلطة. ومن الواضح أن كلا الطرفين (العسكر والإخوان) كان يرتب أموره وفقا لمعادلات خارجية صرفة يستخدم فيها ورقة "الشعب!" و"المصالح الوطنية!" لأهداف معينة ليس لها علاقة بالثورة بقدر ما لها علاقة بالدعم الخارجي والمشاريع الإقليمية والدولية التي لا مفر من أن يكون أي من الطرفين منفذا لها لصالح قوى أخرى. ومن الواضح أن المشروع الوحيد لدى المجلس العسكري منذ بداية انضمامه الشكلي إلى الثورة، هو إبقاء الوضع على ما هو عليه بطريقة "اللكاعة" المصرية. بينما المشروع الوحيد لدى جماعة الإخوان المسلمين هو وضع مصر على أول طريق الخلافة. وهما مشروعان يتناقضان تماما مع مسار التحولات السياسية والاجتماعية والتاريخية في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.

أما النخبة المصرية، أو بالأحرى النخب المصرية، فقد وقعت في فخ الاختيار بين الطاعون والكوليرا. وبدأت الزاوية تضيق لدرجة التخوين والعمالة والمصالح الخاصة والشخصية والدفاع عن مواقف سابقة خاطئة أو على الأقل تبريرها بعنتريات ومواقف وتصريحات فجة. وتحولت المطالب الأساسية للثورة إلى مجرد خلفية هشة ومضببة ومضللة لبناء وجهات نظر مقنعة في المساحة الضيقة للاختيار بين السئ والأسوأ. فبعد كل قرار يتخذه الإخوان (مكتب الإرشاد أو حزب الحرية والعدالة أو الرئيس محمد مرسي) أو المجلس العسكري (المحكمة الدستورية أو أي من مؤسسات الدولة العميقة والبيروقراطية) تصبح القوى المدنية والنخبة المصرية عموما في مواقع أضعف تسفر عن سحب البساط من تحت أقدامها وتحولها إلى شراذم ومجموعات صغيرة وضعيفة. وفي الوقت نفسه يتحول كل من المجلس العسكري ودولته العميقة من جهة والإخوان المسلمين ومكتب إرشادهم ومليشياتهم من جهة ثانية إلى مواقع أقوى تسمح لمن يراقب المشهد السياسي المصري بالتأكيد على وجود قوتين أساسيتين فقط.

ولكن من جهة أخرى تبرز جملة من التساؤلات: هل فقد المجلس العسكري كل رصيده وحرق كل جسور العودة؟ لماذا وكيف، وما هو مستقبل 21 شخصا أضاعوا أهم نصر للشعب المصري بعد نصر أكتوبر المجيد الذي أضاعه أنور السادات؟ هذه التساؤلات تنطبق على جماعات الإسلام السياسي، وبالذات الإخوان المسلمين. فبمجرد تولي ممثلهم السلطة اتسعت مساحة العنف من جانب بقية أتباع تيار الإسلام السياسي سواء في المظاهرات والاحتجاجات أو في الشارع ضد المواطنين البسطاء. وأخيرا بدأ أتباع التيار الرئيسي ممارسة الإقصاء والاعتداء البدني على ممثلي القوى السياسية الأخرى وعلى الشخصيات العامة. والمثير أن تظهر شخصيات من قيادات الإخوان المسلمين تعتذر عما بدر من خطوات سياسية خاطئة أو خيانات "صغيرة!"، بينما التعديات على الحريات وعلى الأشخاص مستمرة. ولا أحد يدري هل تعبر هذه القيادات عن موقف مكتب الإرشاد، أم موقف حزب الحرية والعدالة التابع لمكتب الإرشاد، أم عن نفسها فقط؟

الحرب الأهلية الباردة بدأت في مصر على مستوى التآمر القانوني والديني. وعلى مستوى التعدي على الحريات الخاصة والعامة. وعلى مستوى الاعتداء البدني على المواطنين سواء كانوا بسطاء أو من ممثلي التيارات السياسية الأخرى أو الشخصيات العامة. لقد أفسد العسكر والإخوان ميدان التحرير وحولوه إلى مساحة مائعة للاستمناء السياسي والعصف الذهني والبطاطا الساخنة والكشري، بينما مدينة نصر تشهد تجمعات مناوئة للإخوان المسلمين وغاضبة من تقاعس المجلس العسكري ومقصية لكل شئ ما عدا مبارك ونظامه وأجهزته الأمنية. وفي ذات الوقت أصبح المواطنون البسطاء يواجهون العنف من جانب الأجهزة الأمنية (حادثة اعتداء ضباط الشرطة على المحامين، الاعتداء على المحتجزين، قتل الأبرياء في الشوارع – حادثة صحيفة الأهرام ...) ومن جانب الإخوان المسلمين وبقية أنصار تيارات الإسلام السياسي (مقتل شاب السويس، والاعتداء على أبو العز الحريري ومحمد الفخراني ...).. والمدهش هو اختفاء "البلطجية" تماما من المشهد ليصبح كل شئ في العلن داخل مجتمع يبتعد عن التعددية ويتجه نحو الاستقطاب الأمني والمالي والديني.

وأخطر مظاهر الاستقطاب والعنف حاليا تتمثل في الحملة التي يشنها الإخوان المسلمون ضد كل من يعارضهم كفكر أو كجماعة أو كمكتب إرشاد أو كحزب سياسي. هذه الحملة العامة التي يصرف عليها مئات الآلاف من الجنيهات تعتمد شعار "الفلول" كاتهام ضد أي شخص أو تيار أو جبهة أو مجموعة مناهضة أو منتقدة أو معارضة للإخوان ولتيارات الإسلام السياسي. والمعروف أن كلمة "فلول" أطلقت في بدايات الثورة على المتحولين وأتباع النظام السابق وكل من وقف ضد ثورة يناير. وبعد ذلك ظهر مصطلح "أبناء مبارك" تأصيلا لشعار "الفلول". غير أن الإخوان المسلمين كانوا يستخدمون هذا الشعار جزئيا ومرحليا وفقا لتحالفاتهم سواء مع المجلس العسكري أو بعض رموز نظام مبارك لكسب ما يمكن كسبه تدريجيا. وفي الوقت الراهن، وبعد تولي ممثل الإخوان رئاسة مصر، ظهرت حملة إعلامية إخوانية تتهم كل من يقف على الضفة الأخرى بأنه من أنصار النظام القديم. الأمر الذي يضاعف من الانقسام والاستقطاب وليس التنوع والتنافس والصراع السياسي وفقا لأصول اللعبة السياسية.

تبقى فقط الجبهة الرافضة لكل من الفريقين المتصارعين على كل شئ ما عدا المشروع الوطني والقومي المصري. تبقى هذه الجبهة التي تتمسك بموقفها ضد الاستقطاب والدولتين الأمنية – العسكرية والدينية وتجريف المجتمع ودفع مصر إلى مغامرات غير محمودة العواقب. هذا التحذير ليس مبررا لانقلابات عسكرية أو أمنية، وليس تكريسا لوجود الإخوان في السلطة لدحر عسكرة الدولة أو الوقوع مجددا في فخ المؤامرات القانونية والدينية. كل ما في الأمر أن الجبهة الرافضة للعسكر والإخوان ولأي طرح منهما، حتى وإن كانت هذه الجبهة متشرذمة ومنقسمة وغير متبلورة، فهي التي تمتلك ملامح المشروع الوطني والقومي المصري على أرضية علمانية بعيدة عن إبقاء مصر دولة أمنية – عسكرية أو دفعها في اتجاه مشروعات رخيصة وقديمة عفا عليها الدهر وتتناقض مع كل مسارات التطور.

كما يبقى أيضا العامل الخارجي المرن والمتحول والمتحرك الذي يستفيد من كل التحركات والتطورات. ويبدو أن المحور الأمريكي – الخليجي، على الرغم من الرفض القاطع له ولمساعيه من جانب الجبهة الرافضة، والرفض الشكلي له من جانب المجلس العسكري، والصمت المطلق من جانب الإخوان المسلمين وبقية قوى الإسلام السياسي – هو الذي يمسك بأوراق اللعب الرابحة، ما يفسر الزيارات المكوكية للمسؤولين الأمريكيين للقاهرة، وجدول أعمال ممثل الإخوان المسلمين الذي وصل إلى سدة الرئاسة في مصر.

استاذنا الكبير ومهندس شبكتنا العربي الحويطي شكرا علي طرح هذا الموضوع الذي يبين الصراعات علي السلطه في مصر العروبه التي نسال الله لها الاستقرار ولشعبها الطيب الامن والامان ورغد العيش انه علي كل شيء قدير ، تحياتي وكل عام وانت بخير .

اللهم ارزق مصر الآماان وانعم على شعبها بقوة الايماان وارزقهم
اشكرك استاذ عربي على توضيح الصوره التي نجهل الكثير عنها

اشكر مروركم
وتواجدكم الكريم
بالموضوع