في الصراع بين دولتين يمكن أن تصعد سياسيا وإعلاميا كما تريد، يمكن أن تذهب في تصريحاتك إلى أبعد مدى، وأن تبدأ في رفع حالة التأهب بالجيش للضغط، كما حدث بين أمريكا والاتحاد السوفيتي في أزمة «صواريخ كوبا» ، حين كانتا تتراشقان إعلاميا: «باستطاعة الطيران الأمريكي أن يدمر موسكو بدقائق» ، فيرد الروس «ولكن إن عادت الطائرات لن تجد مطارات لتهبط فيها» .
رغم هذا التصعيد المبرر لأن كل حكومة بيدها إعلان الحرب لتحكمها بالجيش، إلا أن الدبلوماسية كانت تجري في الخفاء، ونجحت في نزع الفتيل بعد أن تنازلت كل دولة، فسحب الاتحاد السوفيتي صواريخه من كوبا، مقابل أن تسحب أمريكا صواريخها من تركيا دون أن تعلن هذا، وانتهت الأزمة التي كانت تقلق العالم بأكمله، لأن كوارث الحرب كانت ستطال الجميع.
قلت: في الصراع بين دولتين يمكن لك أن تصعد لتحقق أهدافك فأنت تملك السلطة على الجيش، وستحدد هل ستحارب أم لا، بيد أن هذا التصعيد حين يكون بين الحكومة والمعارضة في دولة واحدة، هذا يعني أن الدولة تصعد ضد نفسها، مع فقدان الحكومة سلطة إعلان الحرب، لأن الأمن والجيش لا ينتميان للمؤيدين فقط، بل وللمعارضين، وسيتفكك الجيش والأمن، ويصبح إعلان الحرب ليس بيد الحكومة أو المعارضة، بل بيد الشارع، والجماهير لا عقلانية وانفعالية ، ومن لا يؤيد الحكومة/المعارضة ولا يشاطر الجماهير إعجابها بأفكار زعيمهم يصبحون أعداء يستحقون الموت.
وهذا ما يحدث في مصر إذ تصعد ضد نفسها، يحاصر المؤيدون المحكمة الدستورية لتمرير الدستور، فترد المعارضة بمحاصرة الاتحادية، فترد الحكومة بتعيين وزراء ومحافظين ينتمون إلى حزبها، فتحاصر المعارضة وزارة الثقافة والمحافظات لمنعهم من الدخول .
يقولون: في الأزمات أنت تحتاج إلى العقلاء لينزعوا فتيل الأزمة، ولكن للأسف ، فبعد أن كانت المطالب تعديل الدستور، ومجلس وزراء ائتلافي، صعدت الحكومة بمزيد من تعيين أعضاء حزبها، فأصبحت المطالب انتخابات مبكرة لاعتقادهم أن الرئيس فقد شرعيته، فأعلنت الحكومة بتسيير مظاهرة قبل 30/6 موعد مظاهرات المعارضة، لتعلن للمعارضة أن جيشها جاهز للمواجهة.
ويبقى السؤال: إلى أين تمضي مصر؟ وهل سيبقى الجيش في مواقعه يحمي الحدود؟ ، فيما أسرهم تهدد من جيرانهم ؟
بقلم صالح ابراهيم الطريقي
عكاظ
مصر تصعّد ضد مصر
العرض المتطور
