حدث أن قلت (إن أندم على شيء فعلته خير من أندم على شيء لم أفعله) .. لذلك فعلت أشياء كثيرة في حياتي مليئة بالمغامرة .. كثيرة الاوجاع قليلة الحسابات .. والحمد لله أنني تجاوزت مضارها .. وبقي لي ما بها من فوائد التجربة ومتعة الذاكرة .. وقد أكون لم أكتف من الأخطاء بعد .. وأظنني لم أكتف وسأقع في أخطاء مشابهة أو مختلفة بين حين وآخر .. خاصة وأنني من تلك النوعية التي لا تتوقف عن التفكير حتى في النوم .. وأظن أن ألبرتو مورافيا – الأديب إيطالي (1907 – 1990) كان على حق حينما قال (إننا ينبغي أن نستقبل الأفكار كالضيوف بطريقة ودية، ولكن مع التحفظ حتى لا تستبد بمن يستضيفها) .. لكننا نعجز أحيانا كثيرة مع أفكارنا .. ترهقنا الأفكار حين تأخذنا الى طموح لا يتحقق .. أو حزن لا ينجلي .. أو همّ لا ينتهي .. أو ذكرى لا تتبدد .. ومثلما يقول الأديب الليبي الساخر الصادق النيهوم (إن الانسان - مثل ساعته – إما أن يمشي، أو يذهب الى ورشة التصليح) .. لذلك فإننا نسير في دروب الحياة متسكعين أحيانا ومشردين أحيانا .. نبحث عن النجاح والراحة والمجد والسلطة والحب والسعادة .. لكننا في ذات الوقت بأنفسنا نرتكب كل الآثام والحماقات ونمارس الكذب والغيرة والحقد والحسد .. ولا نكف عن تكرار التجربة دائما نبحث عن السعادة ونرتكب كل المنغصات .. وهناك من الاخطاء والهفوات لا ينفع معها ندم ولا تصليح.
للإنسان في دنيته السعادة .. بيده يصنعها وبإمكانه أن يضيعها منه .. ولا تكمن السعادة فيما نريد أو نشتهي .. لكنها تكمن في قناعتنا بما قضى الله لنا في هذه الدنيا .. هناك من سعادتهم في المال او الجاه او السلطة او النفوذ .. يشقون طول حياتهم في بلوغه .. ويشقون أكثر في الحفاظ عليه .. صاحب الكرسي يؤكل نفسه كل يوم للحفاظ على كرسيه .. وصاحب المال لا يستيقظ إلا مهرولا لزيادة ماله .. ومن أحب الدنيا يشقى بها من المهد إلى اللحد .. لا تنتهي مطامعهم .. ولا تتوقف تطلعاتهم .. ولا يستقر طموحهم .. وهؤلاء قد ابتلوا بأنفسهم شر بلية .. في الدنيا والآخرة .. هؤلاء يجهلون طعم السعادة ونعيمها .. ولا يعرفون معنى الاستقرار.
لا تحارب أفكارك وهذبها .. لا تقمع شطحاتك ونظمها .. واجعلها في إطار المعقول والمفيد .. فالانسان بلا فكر متقد جاهل بأشياء كثيرة .. والجهل عدو النجاح .. وكما قال الصادق النيهوم (إن الجهل ليس وحشا مختلفا عن الفقر أو المرض، بل إنه في الواقع "الترجمة الوحيدة الممكنة" لمعنى هاتين الكلمتين معا. كل ما في الأمر أن الجهل "فقر من الداخل") .. ودمتم سالمين.
بقلم / يحيى الحمد