لقد سلبتنا التقنية الحديثة حلاوة الحرف المكتوب ..وحرمتنا من رؤية خطوطهم بكل مزاياها أو عيوبها .. لقد حرمنا البريد الإلكتروني من متعة الكتابة لهم ..ومن تمزيق الرسالة وإعادة كتابتها ..فللرسائل أثرها وبهجتها .. فكم نكون سعداء حين نستلم رسالة من شخص عزيز ..
سواء بخط يده أو بالبريد الإلكتروني أومن الهاتف المحمول ..تبقى الرسالة مفرحة ..نترقب قراءة حروفها متلهفين ..إنه الحنين لهم...
مما راق لي فنقلته ..
الرسائل ...
مع الرسائل نقف في مهب الجرح ..
نقف على أعتاب الشوق نتوكأ الذكرى ..
نقرأ وعوداً للقلوب .. وعذاباً .. ومنى !
مع امتداد الحرف و الجرح والحلم والحنين ..
تجهش الذاكرة بالبكاء ..وتنزفنا كما نحن ..
نرحل منا إلينا ..
نهرب لماضينا لوجوهنا قبل زمن الأقنعة..
ولقلوبنا قبل زمن الجفاء ..
ولهم قبل زمن الغياب ..
نقرأهم حروفاً وتنهال الصور من الذاكرة
فنسمعهم صوتاً ونشعر بها حساً ..
نكاد نلمس دفء أيديهم ..
وتهزنا ضحكاتهم ودمعاتهم ..
وجوههم تعود كما هي ..
مع رائحة الورق ومع لون الحبر الباهت ...
يالله ..!
ذكرى كم كانت دافئة وجميلة ..
والآن أصبحت موجعة إلى حد البكاء !!
يمر العمر سريعاً داهساً انتباهنا
مغرقاً إياناَ في الغفلة والنسيان
لـ تنبجس لنا مفاجأة في ورقة وحرف على حين غرة ...
كلمات وحروف تكون شوقاً فادحاً .. أو جرحاً نازفاً ..
يالهذه الورقة التي تغيرنا في خلواتنا معها
فتجعلنا أكثر رقة وأعمق وفاء ً ..
تنهي كل كرنفالات الفرح الوهمية
وتُطيح بكل الابتسامات التي تعودنا أن نرسمها على وجوهنا
دون معنى فقط لنعيش ولتمر الأيام !!
..تنهي كل ذلك بدمعة واحدة
كـم من الرسائل كتبهـا المحبـون فكانت تاريخ عشـق يزهو الأدب بها ..
كما هـي رسائل مـي زيادة وجبران خليل جبران
كتبـا رسائل تنبض حباً ودفئاً ..
وتسجـل تاريخ حب جارف لم يغادر الورق
حب لقلميـن بعيداً عن الأنظـار سكن قلبيهما فقط ..
حب دام أكثر من عشرين عاماً
لم يلتقيا فيه إلا على الورق حتى موت جبران ..ومي
فصدر كتاب يجمع رسومات جبران ورسائل مي إليه ورسائله إليها ..
ليكون اللقاء المستحيل بين دفتي كتاب ..
تبكينـي قراءة رسائلهما التي توجت الحب وسجلته أدباً راقياً ..
ولم يمنحهم الزمن فرصة اللقاء ..!
يا [ رسايل ] علميهم كيف قلبي ذاب فيهم ....
ولو مضى وقت ونسونا يا [ رسايل ] ذكريهم...
كم من الرسائل تقرأنا ونقرأها ..
وكم من الرسائل نكتبها ولانعلم أننا نكتبنا ونكتبهم .. أحبك مثل الفراولة ..
كتبتها ذات مرة رسالة فأضحكتني زمناً وأبكتني دهراً ..
حروف بسيطة ليعود القلب للوراء ..
راكضاً نابضاً بكل البراءة التي تضج في داخله !
وحروف بسيطة لـ يتملكنا الذهول هل نحن هؤلاء حقاً ..
فـ لماذا استبدلنا بالوصال جفاء ..
وبفيض المحبة بعاداً وهجراناً !!
لماذا الحروف أكثر وفاءً منا ..؟!
تبقى تقاوم الزمن ونحن نتغير بمرور الزمن ! ..ولما نحن نكتب الحرف ولانفي له ..
لحظة خذلان الحرف تصبح غصة في الحلق ..
تصبح ندماً ومرارة
تصبح جرحاً
تصبح دمعاً وحسرة !
حين نمزق الدفاتر والرسائل .. هنا نفقد الأشخاص مرتين !
كم هذا مؤلم ..ليتني أدركت ذلك ..كنت مرهقاً حد الهروب ..
حين ارتكاب هذه الجريمة دون وعي ..
كم يلزمني من الألم و الندم حتى أغفر لنفسي أو لأقتص منها ..