ارتفع صوت الزعيم، انتخب ب٩٩٪ وغاب صوت المواطن، باعونا الأوهام للحرية والديموقراطية، بينما استوردوا من أوروبا الشرقية خبراء السجون والتعذيب، أمموا وشردوا، وأصبحت طبقة الضباط لا تختلف عن اللجنة المركزية للأحزاب الشيوعية التي هيمنت على صناعة القرار وتوجيه إرادة الشعب، والتمتع بالامتيازات واحتكار كل شيء حتى التفكير بالنيابة عن الشعب!!
بقايا سلطة العسكر بشار الأسد، وقد تربى على ذات المظاهر للزعامات السابقة لأنه ولد بحضنها، رأى تمزيق الأجساد ونفخها بحمص وسجون المدن السورية، وعاش هاجس المؤامرة عندما تجذر في خلايا مخه هجوم الأشباح للقضاء عليه وطائفته، ولأنه نموذج الحكم المتوارث الدموي، فإن مجزرة الحولة ليست إلا البند المكشوف لجرائم أكبر لا تلتقطها آلات التصوير، أو يحضرها مشاهدون ينقلون الحدث بتفاصيله، عندما تحولت المدارس والملاعب والقرى النائية، إلى سجون ومراكز تعذيب وقتل..
كان الشعب العربي عظيماً بكل ما تعنيه الكلمة عندما وقف داعماً لمصر ضد العدوان الثلاثي عليها ١٩٥٦م أوقف التعامل مع الطائرات والسفن البريطانية والفرنسية في المطارات والموانئ، قوطعت البضائع، وخرجت المظاهرات في الشوارع، وتدافع المواطنون للتجنيد لنصرة البلد العربي الكبير، لكن الانتكاسة القومية لم تأت فقط من الهزائم العسكرية، بل تفاعل المواطن العربي الذي جاء سلبياً في مواقف مشابهة، عندما قامت كل من روسيا والصين وإيران بدعم مطلق لقاتل الأطفال والشيوخ بمدّه بأحدث الأسلحة وأقدرها على الفتك وبالعلن ودون أي مبالاة للرأي العام العربي، ولم يحدث، سواء من الجهات الرسمية أو الوطنية مقاطعة هذه الدول، أو الاعتقاد بأن حياتنا ستتوقف على أي منتج أو منع صادراتنا إليها.
هناك من يهون مثل هذه المواقف، ونذكرهم فقط كيف كانت مقاطعة الشركات التي تتعامل مع إسرائيل، إحدى المواجهات مع الغرب، والبند الأول في أي مباحثات معهم برفع المقاطعة، وكيف صارت سلاحاً غربياً، ومن يتحالفون معهم، في الضغط على عراق صدام، وإيران الملالي، وقبلهما كوبا وكوريا الشمالية اللتان تضررتا من هذه الضغوط..
المؤلم أن المجزرة أحدثت ضجة عربية شعبية وعالمية، لكن الأمين العام للجامعة تذكر بالوقت الضائع كيف يستنكر، وبدون دعوة لاجتماع وزاري فعّال، بينما دعت بريطانيا دولة الاستعمار القديم، مجلس الأمن للاجتماع لمناقشة الجريمة لردع النظام ومن تسببوا بالمجزرة..
لا نقول ذلك من باب الحماس، أو العاطفة فقط، ولكن من مبدأ الموقف الإنساني، والأخلاقي والواجب القومي، ولا أظن، أن هذه الجريمة لو حدثت في أي بلد افريقي مثل ما جرى بين (التوتسي، والهوتو) وكيف قوطعت حكومة رواندا، وقُدم المجرمون إلى محاكمات دولية، في حين الأسد يوضع بنفس الواقع، ومع ذلك هناك دول عربية تقف معه لاعتبارات ذاتية معبّرة عن مخالفة للقواعد الإنسانية والاعتبارات الأخوية!!
الرادع سلطة الأسد يحكمها اجماع عربي ودولي، ومقاطعة تامة للدول المساندة له، وبدون ذلك فالأمور ستسير بالاتجاه التصاعدي والاستمرار بالقتل المتعمد..
بقلم يوسف الكويليت