******
تبدأ القصة عن ولادتي ، فكنت الأبن الوحيد فى أسرة شديدة الفقر فلم يكن لدينا من الطعام ما يكفينا .....
وإذا وجدنا فى يوم من الأيام بعضآ من الأرز لنأكله و يسد جوعآ كانت أمي تعطيني نصيبها ...
وبينما كانت تحول الأرز من طبقها إلى طبقي كانت تقول : ياولدي تناول هذا الأرز ، فأنا لست جائعة .
( وكانت هذه كذبتها الأولى ) .
*****
وعندما كبرت أنا شيئآ قليلآ كانت أمي تنتهي من شئون المنزل وتذهب للصيد فى نهر صغير جوار منزلنا ....
وكان عندها أمل أن أتناول سمكة قد تساعدني على أن أتغذى و أنمو ، وفى مرة من المرات أستطاعت بفضل الله أن تصطاد سمكتين ،
أسرعت إلى البيت وأعدت الغذاء و وضعت السمكتين أمامي ، فبدأت أنا أتناول السمكة الأولى شيئآ فشيئآ ،
وكانت أمي تتناول ما يتبقى من اللحم حول العظام و الشوك ، فاهتز قلبي لذلك ، و ضعت السمكة الأخرى أمامها لتأكلها ،
فأعادتها أمامي فورآ وقالت: ياولدي تناول هذه السمكة أيضآ ، الأ تعرف أني لا أحب السمك .
( وكانت هذه كذبتها الثانية ) .
*****
وعندما كبرت أنا كان لابد أن ألتحق بالمدرسة ، ولم يكن معنا من المال ما يكفي مصروفات الدراسة ....
ذهبت أمي إلى السوق و أتفقت مع موظف باحد محال الملابس أن تقوم هى بتسويق البضاعة ،
وذلك بان تدور على المنازل و تعرض الملابس على السيدات ، وفى ليلة شتاء ممطرة ،
تاخرت أمي فى العمل وكنت أنتظرها بالمنزل ، فخرجت أبحث عنها فى الشوارع المجاورة ،
و وجدتها تحمل البضائع و تطرق أبواب البيوت ، فناديتها : أمي ، هيا نعود إلى المنزل فالوقت متأخر و البرد شديد ،
بأمكانك أن تواصلي العمل فى الصباح ، فأبتسمت أمي و قالت لي : ياولدي >> أنا لست مرهقة .
( وكانت هذه كذبتها الثالثة ) .
*****
وفى يوم كان أختبار آخر العام بالمدرسة ، أصرت أمي على الذهاب معي ، و دخلت أنا و وقفت هى تنتظر خروجي فى حرارة الشمس المحرقة ....
وعندما دق الجرس و انتهى الأمتحان خرجت لها فاحتضنتني بقوة و دفء و بشرتني بالتوفيق من الله تعالى ،
و وجدت معها كوبآ فيه مشروب كانت قد أشترته لي كي اتناوله عند خروجي ، فشربته من شدة العطش حتى أرتويت ،
بالرغم من أن أحتضان أمي لي : كان بردآ و سلامآ ، وفجأة نظرت إلى وجهها فوجدت العرق يتصبب منه ،
فأعطيتها الكوب على الفور وقلت لها : أشربي يا أمي ، فردت : يا ولدي أشرب أنت ، أنا لست عطشانة ..
( وكانت هذه كذبتها الرابعة )
*****
وبعد وفاة أبي كان على أمي ان تعيش حياة الأم الآرملة الوحيدة ، وأصبحت مسئولية البيت تقع عليها وحدها ، ويجب عليها أن توفر جميع الأحتياجات ...
فأصبحت الحياة أكثر تعقيدآ وصرنا نعاني الجوع ، كان عمي رجل طيب وكان يسكن بجانبنا و يرسل لنا ما نسد به جوعآ ،
وعندما رأى الجيران حالتنا تتدهور من سيء إلى أسوأ ، نصحوا أمي بأن تتزوج رجلآ ينفق علينا ، فهى لازالت صغيرة ،
ولكن أمي رفضت الزواج قائلة : أنا لست بحاجة إلى الحب .
( وكانت هذه كذبتها الخامسة ) .
*****
وبعدها أنتهيت من دراستي و تخرجت من الجامعة ، حصلت على وظيفة إلى حد ما جيدة ، واعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لكي تستريح أمي ....
تستريح أمي وتترك لي مسؤولية الإنفاق على المنزل ، وكانت فى ذلك الوقت لم يعد لديها من الصحة ما يعينها على أن تطوف بالمنازل ،
فكانت تفرش فرشآ فى السوق وتبيع الخضروات كل صباح ، فلما رفضت أن تترك العمل خصصت لها جزءآ من راتبي ،
فرفضت أن تأخذه قائلة : يا ولدي أحتفظ بمالك ، إن معي من المال ما يكفيني .
( وكانت هذه كذبتها السادسة ) .
*****
و بجانب عملي واصلت دراستي كي احصل على درجو الماجيستير ، و بالفعل نجحت و أرتفع مرتبي .....
وقد منحتني الشركة التى أعمل بها الفرصة للعمل بالفرع الرئيسي لها ، فشعرت بسعادة بالغة ،
و بدأت أحلم ببداية جديدة و حياة سعيدة ، و بعدها سافرت و هيأت الظروف ، أتصلت بأمي أدعوها لكي تأتي للإقامة معي ،
ولكنها لم تحب أن تضايقني وقالت : يا ولدي >> أنا لست معتادة على المعيشة المترفة .
( وكانت هذه كذبتها السابعة ) .
*****
كبرت أمي و أصبحت فى سن الشيخوخة ، و أصابها مرض السرطان اللعين ، وكان يجب ان يكون بجانبها من يمرضها ...
ولكن ماذا أفعل فبيني وبين أمي الحبيبة بلاد ، تركت كل شيء وذهبت لزيارتها فى منزلنا ، فوجدتها طريحة الفرش بعد إجراء العملية ،
عندما رأتني حاولت أمي ان تبتسم لي ، ولكن قلبي كان يحترق لأنها كانت هزيلة جدآ وضعيفة ، ليست أمي التى اعرفها ،
أنهمرت الدموع من عيني ولكن أمي حاولت ان تواسيني ، فقالت : لاتبكي ياولدي فانا لا أشعر بالآلم .
( وكانت هذه كذبتها الثامنة ) .
*****
وبعدما قالت لي ذلك ، اغلقت عينيها ، فلم تفتحها بعدها أبدآ ......
إلى كل من ينعم بوجود أمه فى حياته :: حافظ على هذه النعمة قبل أن تحزن على فقدانها ....
وإلى كل من فقد أمه الحبيبة :: تذكر دائمآ كم تعبت من اجلك ، وادع الله تعالى لها بالرحمه و المغفرة ..
*****
نعم الجنة تحت أقداااام الأمهاااات ..
والسلام ختااااام
كذبــــــــــــات امي الثمانيــــــــــــه
العرض الشجري