14 قرناً من الكفر الجماعي

قدمت لنا المحكمة الجزائية المتخصصة، قبل ثلاثة أيام، نموذجين استثنائيين في عالم التكفير والإرهاب، جديرين بالدراسة والبحث؛ لمعرفة كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى هذا الحد من التهور في أحكامه وقناعاته، وكيف استطاع رموز الفكر التكفيري ومنظروه والمروجون له أن يلغوا العقل ويسلبوا الإرادة ويصنعوا من أتباعهم كائنات تأتي بكل اللا معقول.
النموذج الأول التكفيري من طراز خاص توصل في مسيرته التأملية والبحثية في تاريخ الإسلام والمسلمين إلى أن أمة محمد كلها كافرة، وتحديدا منذ عهد الوليد بن عبدالملك إلى الآن، وإصراره على ذلك ورده أحاديث النبي ــ عليه الصلاة والسلام ــ بحجة كفر وسقوط عدالة من نقلها ممن يلي عصر الصحابة، وإصراره على نشر هذه الدعوة والدفاع عنها، لكن المفارقة العجيبة أنه يستثني من كل الذين كفرهم منذ القرن الهجري الأول حتى الآن شخصا واحدا هو أيمن الظواهري، ويرى وجوب بيعته وتجويز كل ما يقوم به تنظيم القاعدة. هذا النموذج التكفيري النادر جدير بعرضه على الناس لمعرفة لماذا وكيف وصل إلى هذا الحد من الدقة في تحديده بداية الكفر الجماعي بفترة الوليد بن عبدالملك، وكيف لم تنجب كل العصور الماضية بكل من عاشوا فيها مسلما واحدا سوى أيمن الظواهري. إنها دعوة لمقدمي البرامج لسرعة التقاط هذا السبق المهم كي نعرف العبقرية التي أوصلته لهذا الاستنتاج التاريخي.
أما النموذج الثاني فإن أهميته لا تتمثل فيه كشخص إرهابي نفذ أعمالا في منتهى الخطورة ضد وطنه، وإنما لأن قضيته كشفت عن دور الإعلام في قضية الإرهاب عندما اعترف بمشاركته في إيصال مواد إعلامية على أقراص مدمجة بصوت قائد تنظيم القاعدة السابق في السعودية عبدالعزيز المقرن إلى قناة الجزيرة لبثها، علما بأن أحد المحكومين من تنظيم القاعدة في العام الماضي أدين بتواصله مع أحد الصحافيين في قناة الجزيرة لخدمة التنظيم إعلاميا. هذه المعلومات تحمل شيئا من الإجابة على التساؤلات المطروحة في فترة ماضية عن سر انفراد الجزيرة ببث أشرطة لقادة التنظيم وأخبارهم، وكيف تحصل عليها، لكننا الآن نأسف أشد الأسف على قيام الجزيرة بتلك الممارسة الخارجة عن ضوابط وأخلاقيات المهنة، بل الضارة بالأمن، عندما ترتضي أن تكون منصة إعلامية تتبنى خطاب رؤوس الإرهاب، وعندما تستمر خلال هذه المرحلة في تبني خطاب معارض لما يتطلع إليه العقلاء من استقرار ووئام وأمن في الأوطان المضطربة.

حمود ابو طالب
عكاظ