شكــرا على غبائـك..

شكرا على غبائك


البارحة عدت من مقر الأمم المتحدة حاملا وساما جميلا مذهبا قدموه لي و علقوه على صدري وسط عاصفة مدوية من التصفيق و التصفير الممزوج ببعض الأصوات الغريبة الفتي لم أفهمها, و لكني لم أهتم لها......



فور عودتي اسرعت الى طاولتي و شرعت فورا في كتابة هذه السطور, لأنني متلهف أشد التلهف لأطلع إخوتي و زملائي في هذا الوطن على الشرف العظيم الذي نلته, وأقص عليكم حيثيات قصتي الرائعة.


منذ أيام زارني في مقر عملي شخص وسيم عليه علائم الحنكة و الرقي......عرفني بنفسه على أنه كبير موظفي الأمم المتحدة في بلدي , فأثار استغرابي. أخرج من جيبه ظرفا و قدمه لي , فتحته فإذا فيه دعوة من الأمين العام لللأمم المتحدة شخصيا لزيارة مقر الأمم المتحدة. نظرت الى الرجل باستغراب و سألته: لماذا أدعى الى الأمم المتحدة و أنا مواطن عادي , و أنا أعرف أن مواطني بلدي غير مرغوب بوجودهم لا في الأمم المتحدة, ولا في أي محفل دولي و لا في أي بقعة من العالم.....وحتى في بلدنا يا حبذا لو نختفي......... فأجابني أن الخيار قد وقع علي لتتم استضافتي و تكريمي و تقليدي وساما مهما, لأنني مثال المواطن الجيد و المتحمس, وأوضح أن الاختيار ليس لشخصي فقط, بل لأنني أمثل الشريحة الواسعة الواعية في بلدي خير تمثيل.....الحقيقة اني لم افهم الكثير و لكنني لم أرد أن أفهم, فيكفيني شرفا أنني ذاهب الى محفل دولي يتمنى علية القوم الوقوف فيه يوما ما.


المهم أني و في غضون أيام وجدت نفسي في قاعة الاجتماعات الكبيرة و أمامي وجوه "كبيرة" لم أرها في حياتي إلا في نشرات الأخبار......قادة, رؤساء , زعماء......تملكني السرور و النشوة. أجلسوني على منصة الشرف و انبرى رجل أنيق ليرحب بي و يقدمني للحضور....قدمني على أني أهم مواطني العالم, و أقوى مرتكزات العولمة, و أنني من أعظم و أقوى مرتكزات النظام العالمي الجديد, و من أشرس المدافعين عن الحرية و الديمقراطية, و أوضح أن خدماتي التي قدمتها للعالم المتحضر و للحضارة الغربية العظيمة أكبر من أن توصف.


تقدم رجل وصف بالدبلوماسي الكبير و شرع في إلقاء خطاب التكريم, موجها كلامه الي مباشرة :


أيها الزائر العظيم و المواطن العالمي الصالح, بعد أن استتبت أمور العالم و نجحنا في نشر الحرية و الديمقراطية في جميع أنحاء العالم, وبعد أن دخلت جميع دول العالم في ركب الحضارة و التقدم, يسرنا أن نقدم لك عرضا مختصرا للخدمات الجليلة التي قدمتها لنا والتي ساهمت في تسريع انضمام بلدك و غيرها الى النظام العالمي الجديد و المتحضر, والتي استوجبت مكافأتك اليوم و منحك هذا الوسام.


أيها الزائر, بعد أن جربنا مع شعوب العالم الثالث كل طرق الترهيب و التجويع و التركيع و الإغراء في مرحلة الاستعمار القديم, و بعد أن اتبعنا كل السبل القذرة الممكنة آنذاك والتي بائت بالفشل, اهتدينا الى الطريقة الأمثل لتركيعكم و جعلكم خدما مطيعين لنا ثم لشعوبنا, و تحويلكم الى أجراء تقدمون لنا ثرواتكم بكل سرور. هذه الطريقة العظيمة تعتمد بشكل كلي على غبائك ايها الضيف الكريم. نعم إنه غبائك الذي هو بالنسبة لنا ثروة لا تقل أهمية عن النفط أو الغاز, و الذي بذلنا الجهود و دفعنا الأموال لتنميته و تعميقه.


لربما انك يا ضيفنا غير مدرك تماما ما قدمته لنا من خدمات؟, لذلك سأطلعك على بعض إنجازاتك العظيمة التي نشكرك عليها اليوم:


عندما ايقنا أن تمسككم بدينكم و قيمه الأخلاقية سيبقيكم منيعين على الاختراق و الإذلال, لجأنا اليك لتساعدنا , فعملنا على استغلال غبائك و غسل دماغك و تعطيله عن العمل ليصبح وعاء فارغا نملأه بما نشاء, و نملي عليك ما نريدك أن تردده دون تفكير.


علمناك أن المال هو القوة التي لا تقهر و أن الشرف و النزاهة عملة قديمة, فاقتنعت و صرت تنهش بإخوانك و تخونهم و تسرقهم بلا رحمة


علمناك أن أجدادك متحجرون و متخلفون ولم يسودوا العالم يوما فتبرأت منهم و خنت قيمهم و أشبعتهم سبا و تسخيفا


قدمنا لك روايات مشوهة لتاريخ أمتك مليء بالأكاذيب و الافتراء و المتناقضات فتبنيت روايتنا بكل حماسة و صرت اشد المدافعين عنها


أخبرناك أن التخلي عن الأخلاق تحرر و أن النصب شطارة و أن الصعود على أكتاف إخوانك طموح فعملت بهذه المبادئ بجد و اجتهاد


بنينا شبكة محكمة من عصابات المرتزقة و المجرمين و دفعناهم للقتل و التدمير, و اخبرناك أن هؤلاء هم المسلمون الحقيقيون الذين عليك محاربتهم و تخوينهم فصرت تقارعهم و تشتمهم بقوة فاجأتنا نحن بها


أوصيناك بان عليك ترك ما كان يدعى بالتكافل الاجتماعي و مساعدة الغير و اذا شفت الأعمى طبو مالك اكرم من ربو فاستجبت بكل سرور


علمناك بان حجاب المرأة و حشمتها قيود تحد من تفكيرها و تنقص من حريتها , و أن كل الكلام القائل أن الحجاب و التحشم عصمة للفتاة و أداة فعالة تجعلها تميز بين من يحترمها لفكرها و عقلها و بين من يلهث وراء جسدها, كله كلام من الماضي فانبريت تدفع زوجتك و أختك للتعري و الانحلال طلبا للتقدم و الحرية


علمناك أن بيع المرأة لجسدها و تحويلها لسلعة رخيصة من أهم ركائز الاقتصاد الوطني, و دعائم الفكر الحر


علمناك أن الخلاعة و الابتذال علانية و في التلفزيون هو تعبير بريء و صادق عما تملكه المرأة من مواهب


علمناك أن الشذوذ و العلاقات الجنسية العشوائية الحيوانية هي مفتاح التحرر و الانفتاح فرحت تنشر الرذيلة في كل مكان بهمة و عزيمة


قلنا لك أنك لن تصبح متطورا و سابقا لأبناء عصرك إلا اذا احتقرت لغتك و عملت جاهدا لاستبدال مفرداتها بكلمات من لغاتنا في أحاديثك اليومية


أخبرناك أن المفتاح السحري لتقدمنا هو شرب الكوكا كولا و استخدام أحدث أنواع الجوال و مقاطعة كل منتج من وطنك أو يمت لأبناء بلدك بصلة فأصبحت اقوى زبائننا على وجه الأرض


و حتى نضمن أنك سوف تأخذ منا كل ما في مجتمعنا من رذائل و انحلال و شذوذ دون أن تحاول أن تقلدنا في تنظيمنا و إخلاصنا في العمل, حذرناك من خطورة متابعة اي برنامج هادف في التلفزيون أو البحث عن الفائدة في كتاب أو مقالة , و أن كل ما عليك فعله هو أن تتابع ما استطعت من الأغاني الهابطة و الأفلام الفارغة المثيرة و البرامج الترفيهية . وهي ستتكفل بإبقاء عقلك متنورا متطورا


شددنا عليك أن إياك أن تسمح لابنك بحفظ أغنية وطنية أو آية كريمة , و حاول أن تدفعه بكل قوتك لحفظ اغاني المفكرة هيفاء و هبة و الشاعرة نانسي عجرم


علمناك أن تغلق اذنيك اذا ما حاول عالم أو شيخ جليل أن يوقظ فيك الفضائل و الأفضل أن تذمه أو تسخفه أو تهينه


علمناك أن تصفق لفتاة تركت كل ما في الدنيا من اساليب للإقناع و التعبير و اختارت أن تتعرى علانية أمام العيون, لأن هذا هو التقدم بعينه


علمناك أخيرا أن ترفض بكل شراسة كل ما هو عكس ما علمناك أياه , واذا تجرأ أحد و حاول الدعوة للعودة الى الاسلام الحقيقي , فتصدى له بشراسة و اذا استطعت فلتغمد رصاصة في صدره, واذا زعم أن لديع حجج علمية و قرائن مقنعة فإياك أن تستمع, لأن كل حججه باطلة و تستند الى ماضيك المخزي .


وها أنت قد أثبت بما لا يقبل الشك أنك طالب نجيب , فحفظت و طبقت ما علمناك اياه بدقة و إصرار كبيرين. وها نحن نشرح لك ما عملناه بك بصراحة, لأننا اليوم أيقنا أن عقلك قد ضمر و إحساسك تبلد ووطنيتك ماتت, و أنك لن تفهم خطورة ما فعلت بوطنك و أمتك, و أنك ستعود لبلدك مفتخرا بالوسام الذي نلته.


و هنا دعاني المتكلم لأتفضل الى المنصة و قلدني وساما جميلا كتب عليه وسام الغباء و الوضاعة من الدرجة الأولى, و صفق الجميع و كنت اشدهم حماسا في التصفيق.


و عندما حاولت أن أصافح من قدم لي الوسام سحب يده قائلا: نحن نقدر خدماتك و لكن لا نحترمك و لا نرغب بمصافحتك(تأسيا بأحد قادتهم التاريخيين) ....لم أفهم قصده و لكني لم أبذل جهدا كي أفهم خوفا من أن أعكر فرحتي الكبيرة بالوسام.


و أخيرا و بعد وصولي بلدي و انتهائي من كتابة هذه السطور عرضتها على أحد جيراني ليعطيني رأيه, فما كان منه الا أن نظر الي و قال " الله لا يعطيك العافية" ....تملكني الغضب و قلت في نفسي كيف لهذا الحثالة أن يخاطبني هكذا بعد انجازي الدولي الكبير, ولكني بعد قليل ابتسمت و قلت : لآ بد أنه جاهل و متخلف و متآمر و من دعاة الرجعية, ربما أعود و أشنقه لاحقا ولكن الآن لا لن أعكر فرحتي.


- آخر إنجازاتي و ليس الأخير, أني تلقيت اتصالا من مسؤول كبير في بلدي يهنئني و يعبر لي عن حاجة الوطن لمواهب من أمثالي , وأنني من المؤكد سأدعى لاستلام منصب رفيع في البلد قريبا.
منقول

[align=center]
يا لكبر مصيبة أوطاننا وأمتنا بأمثالك.
ولكنها الحقيقة، أنت ومن هم على شاكلتك دمرتم كل جميل صنع الأجداد.

أخي الفاضل حسن الحويطي
بارك الله فيك
موضوع أكثر من رائع، يصور واقعنا المؤلم علنا نخجل منه ونحاول تغييره.
[/align]

الله لايكثر من امثاله
مثل هذا عار على أمتنا العربيه والاسلاميه


كل الشكر لك على هذا الطرح الله يعطيك العافيه