مر بي حمالان تحت جذع ثقيل وهما يتجاوبان بإنشاد النغم
وكلمات الإستراحة .. فأحدهما يصغي إلى ما يقوله الآخر
ثم يعيده أو يجيبه بمثله .. والآخر همته مثل ذلك .. فرأيت
انهما لو لم يفعلا هذا زادت المشقة عليهما وثقل الامر ..
وكلما فعلا هذا هان الأمر ..!! فتأملت السبب في ذلك فإذا
به تعليق فكر كل واحد منهما بما يقوله الآخر وطريه يه
وإحالة فكره في الجواب بمثل ذلك .. فينقطع الطريق
وينسى ثقل المحمول ...
فأخذت من هذا إشارة عجيبة .. ورأيت الإنسان قد حمل
من التكليف أمور صعبة ومن أثقل ما حمل مداراة نفسه
وتكليفها الصبر عما تحب وعلى ما تكره .. فرأيت
الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس كما
قال الشاعر :
فإن تشكت فعللها المجرة من&&ضوء الصباح وعدها
بالرواح ضحى
ومن فهم هذا الأصل علل النفس وتلطف بها ووعدها
الجميل لتصبر على ما قد حملت .. كما كان بعض السلف
يقول لنفسه : والله ما أريد بمنعك من هذا الذي تحبين إلا
الإشفاق عليك ..
وقال أبو زيد رحمة الله عليه : ما زلت أسوق نفسي إلى
الله وهي تبكي حتى سقتها وهي تضحك ..
واعلم أن مداراة النفس والتلطف بها لازم وبذلك ينقطع
الطريق ...
ابن الجوزي ..
[/frame]